(وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) رحمة وشفقة (فِي دِينِ اللهِ) في طاعته وإقامة حدّه وحفظه ، فتعطّلوه أو تسامحوا فيه. وقرأ ابن كثير بفتح الهمزة (١). (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإنّ الإيمان بالمبدأ والمعاد يقتضي الجدّ في طاعة الله ، والاجتهاد في إقامة أحكامه وحدوده. وهو من باب التّهييج في إجراء الحكم ، والتشديد في أمر الزنا وحسم مادّته ، لينحفظ النسب ، وتجري الأحكام الشرعيّة المترتّبة على أصولها. ولذلك قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يا معشر الناس اتّقوا الزنا ، فإنّ فيه ستّ خصال : ثلاث في الدنيا ، وثلاث في الآخرة. فأمّا اللّاتي في الدنيا : فإنّه يذهب البهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر. وأمّا اللّاتي في الآخرة : فإنّه يوجب السخطة ، وسوء الحساب ، والخلود في النار».
وفي الآية دلالة على أنّه يضرب أتمّ الضرب ، فلا ينقص من الحدّ شيء. ولا تجوز الشفاعة في إسقاطه. وفي الحديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «يؤتى بوال نقص من الحدّ سوطا ، فيقول : رحمة لعبادك. فيقول الله له : أأنت أرحم بهم منّي ، فيؤمر به إلى النار.
ويؤتى بمن زاد سوطا ، فيقول : لينتهوا عن معاصيك ، فيؤمر به إلى النار».
(وَلْيَشْهَدْ) وليحضر (عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) زيادة في التنكيل ، فإنّ التفضيح قد ينكل أكثر ما ينكل التعذيب. وفي تسمية الحدّ العذاب دليل على أنّه عقوبة.
ويجوز أن يسمّى عذابا ، لأنّه يمنع المعاودة ، كما سمّي نكالا. وقيّد الطائفة بالمؤمنين ، لئلّا يكون إقامة الحدّ مانعة للكفّار من الإسلام. ولذلك كره إقامته في أرض العدوّ.
والطائفة : الفرقة الحافّة حول الشيء. واختلف في كمّيتها.
فعن الباقر عليهالسلام وابن عبّاس والحسن وغيرهم : أقلّها واحد.
وبه قال مجاهد. وقال عكرمة : اثنان. والزهري : ثلاثة. وفي رواية اخرى عن ابن عبّاس : أربعة. لأنّ بهذا العدد يثبت هذا الحدّ. وهو قريب ، لكن قول الباقر عليهالسلام أقوى. ويؤيّده أنّ الفرقة جمع أقلّه ثلاثة ، والطائفة بعضها ، فيكون واحدا. فمعنى الطائفة : النفس الّتي من شأنها أن تكون حافّة حول الشيء. ويدلّ
__________________
(١) أي : همزة : رأفة.