فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك؟ وما ذاك إلّا لإظهار علوّ منزلة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والتنبيه على إنافة محلّ سيّد ولد آدم ، وخيرة الأوّلين والآخرين ، وحجّة الله على العالمين ، ومن أراد أن يتحقّق عظمة شأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتقدّم قدمه ، وإحرازه لقصب السبق دون كلّ سابق ، فليتلقّ ذلك من آيات الإفك ، وليتأمّل كيف غضب الله له في حرمته؟! وكيف بالغ في نفي التهمة عن حجابه؟!
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩))
ولمّا كان النظر جاسوس الفواحش ومقدّمتها ، نهى الله تعالى العباد عن الدخول في البيوت من غير إذن أهلها ، لئلّا ينظروا إلى سواكنها ، وتميل قلوبهم إليهنّ ، فقال عقيب آيات الإفك : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) الّتي لا تسكنونها ، فإنّ الآجر والمعير أيضا لا يدخلان إلّا بإذن (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) من الاستئناس بمعنى الاستعلام ، أي : حتّى تستعلموا وتستكشفوا الحال. من : آنس الشيء إذا أبصره ظاهرا مكشوفا ، فإنّ المستأذن مستعلم للحال ، مستكشف أنّه هل يراد دخوله أو يؤذن له؟ ومنه قولهم : استأنست فلم أر أحدا ، أي : استعلمت وتعرّفت. أو من الاستئناس الّذي هو خلاف