اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨))ولمّا بيّن تعالى وجوه المنافع والمصالح وعلم الشرائع فيما سبق ، بيّن بعده أنّ منافع أهل السماوات والأرض منه ، فقال : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : ذو نورهما. أو منوّرهما لوجوه انتفاع العباد بالكواكب ، وما يفيض عنها من الأنوار ، أو بالملائكة والأنبياء ، فإنّ النور في الأصل كيفيّة تدركها الباصرة أوّلا ، وبواسطتها سائر المبصرات ، كالكيفيّة الفائضة من النيّرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لهما. وهو بهذا المعنى لا يصحّ إطلاقه على الله تعالى إلّا بتقدير مضاف ، كقولك : زيد كرم وجود. أو على تجوّز ، إمّا بمعنى : منوّر السموات والأرض. أو مدبّرهما. من قولهم للرئيس الفائق في التدبير : نور القوم ، لأنّهم يهتدون به في الأمور. أو موجدهما ، فإنّ النور ظاهر بذاته مظهر لغيره. وأصل الظهور هو الوجود ، كما أنّ أصل الخفاء هو العدم. والله سبحانه موجود بذاته موجد لما عداه.
أو الّذي به تدرك أو يدرك أهل السماوات والأرض ، من حيث إنّه يطلق على الباصرة ، لتعلّقها به ، أو لمشاركتها له في توقّف الإدراك عليه ، ثمّ على البصيرة ، لأنّها أقوى إدراكا ، فإنّها تدرك نفسها وغيرها من الكلّيّات والجزئيّات ، الموجودات