والمعدومات ، وتغوص في بواطنها ، وتتصرّف فيها بالتركيب والتحليل. وهذه الإدراكات ليست لذاتها ، وإلّا لما فارقتها ، فهي إذن من سبب يفيضها عليها ، وهو الله سبحانه ابتداء ، أو بتوسّط من الملائكة والأنبياء ، ولذلك سمّوا أنوارا.
ويقرب منه قول ابن عبّاس : معناه : هادي من فيها إلى ما فيه مصالحهم ، كالنور الّذي به يهتدى إلى المطلوب ، فهم بنوره يهتدون. وإضافته إليهما للدلالة على سعة إشراقه ، أو لاشتمالهما على الأنوار الحسّيّة والعقليّة.
وقيل : الله مزيّن السماوات بالملائكة ، ومزيّن الأرض بالأنبياء والعلماء.
وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أن معناه : «إنّ الله سبحانه نشر الحقّ في السماوات والأرض حتى يستضيئا بنور الحقّ ، فأضاءت بنوره ، أو نوّر قلوب أهلها به».
وقال صاحب التبيان (١) : معناه : الله مدلول السماوات والأرض ، فإنّ كلّ شيء من بدائعه وصنائعه يدلّ دلالة واضحة على وجوب وجوده وعلمه وحكمته.
ففي كلّ شيء له آية |
|
تدلّ على أنّه واحد |
وإضافة النور إلى السماوات والأرض لأحد معنيين : إمّا لأنّ المراد أهلهما ، وأنّهم يستضيئون بنوره. وإمّا للدلالة على عموم إضاءته ، وشيوع إشراقه.
(مَثَلُ نُورِهِ) صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة والإشراق ، وإضافته إلى ضميره سبحانه وتعالى دليل على أنّ إطلاق النور عليه لم يكن على ظاهره.
(كَمِشْكاةٍ) كصفة مشكاة. وهي الكوّة في الجدار غير النافذة. وقرأ الكسائي برواية الدوري بالإمالة. (فِيها مِصْباحٌ) سراج ضخم ثاقب. وقيل : المشكاة الأنبوبة في وسط القنديل. والمصباح : الفتيلة المشتعلة.
(الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) في قنديل من الزجاج. وفائدة اختصاص الزجاجة بالذكر أنّه أصفى الجواهر ، فالمصباح فيه أضوأ.
__________________
(١) لم نجده فيه.