يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥))
ثمّ ذكر قصّة آدم وإبليس ليعلم عداوته المستمرّة من لدن آدم إلى يوم القيامة ليحترزوا عنه ، فقال : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) تقدّم تفسيره في سورة البقرة (١) (قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) أي : من طين ، فنصب بنزع الخافض. ويجوز أن يكون حالا من الراجع إلى الموصول ، أي : خلقته وهو طين. أو منه ، أي : أأسجد له وأصله طين؟ وفيه على الوجوه الثلاثة إيماء إلى علّة الإنكار.
(قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) الكاف لتأكيد الخطاب ، لا محلّ له من الإعراب. و «هذا» مفعول أوّل ، و «الّذي» صفته. والمفعول الثاني محذوف ، لدلالة صلته عليه. والمعنى : أخبرني عن هذا الّذي كرّمته عليّ بأمري بالسجود له لم كرّمته عليّ وأنا ختر منه؟ واختصر الكلام بحذف ذلك.
ثمّ ابتدأ فقال : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) كلام مبتدأ ، واللام موطّئة للقسم المحذوف ، وجوابه (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) أي : لأستأصلنّهم بالإغواء إلّا قليلا لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم. من : احتنك الجراد الأرض إذا جرّد ما عليها ـ أي : قشره ـ أكلا ، مأخوذ من الحنك. وإنّما علم أنّ ذلك يتسهّل له ، إمّا استنباطا من قول الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) (٢) مع تقرير الله إيّاهم في ذلك ، أو تفرّسا من خلقه ذا شهوة ووهم وغضب.
(قالَ اذْهَبْ) امض لما قصدته. وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سوّلت له نفسه ،
__________________
(١) راجع ج ١ ص ١٣٠ ذيل الآية ٣٤ من سورة البقرة.
(٢) البقرة : ٣٠.