وبعد ذكر حال المؤمنين الأبرار ، بيّن حال الكافرين الفجّار ، فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) أي : والّذين كفروا حالهم على ضدّ حال الّذين آمنوا ، فإنّ أعمالهم الّتي يحسبونها صالحة نافعة عند الله منجية لهم ، يجدونها لاغية مخيبة في العاقبة كالسراب ، وهو ما يرى في الفلاة من لمعان الشمس عليها وقت الظهيرة ، فيظنّ أنّه ماء يسرب ، أي : يجري. والقيعة بمعنى القاع. وهو الأرض المستوية. وقيل : جمع القاع ، كجار وجيرة.
(يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) أي : العطشان. وتخصيصه لتشبيه الكافر به في شدّة الخيبة عند الحاجة إليه. (حَتَّى إِذا جاءَهُ) إذا انتهى إلى ما توهّمه ماء أو موضعه (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) ممّا يظنّه ويرتجيه (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) عند عمله فجازاه على كفره. أو وجد زبانيته يأخذونه ، فيعتلونه (١) إلى جهنّم ، فيسقونه الحميم والغسّاق. وهم الّذين قال الله فيهم : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) (٢). (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (٣). (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٤).
(فَوَفَّاهُ) الله (حِسابَهُ) استعراضا أو مجازاة (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) لا
__________________
(١) عتله أي : جذبه وجرّه عنيفا. يقال : عتله إلى السجن ، أي : دفعه بعنف.
(٢) الغاشية : ٣.
(٣) الكهف : ١٠٤.
(٤) الفرقان : ٢٣.