(إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) فاجأه فريق منهم الإعراض عمّا يدعون إليه ، إذا كان الحقّ عليهم ، لعلمهم بأنّك لا تحكم لهم. وهو بيان للتولّي ، ومبالغة فيه.
(وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُ) أي : الحكم ، لا عليهم (يَأْتُوا إِلَيْهِ) إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (مُذْعِنِينَ). و «إليه» إمّا صلة لـ «يأتوا» لأنّ «أتى» و «جاء» قد جاءا معدّيين بـ «إلى». أو يتّصل بـ «مذعنين» لأنّه في معنى : مسرعين في الطاعة. وهذا أحسن ، لتقدّم صلته ودلالته على الاختصاص.
والمعنى : أنّهم لمعرفتهم أنّه ليس معك إلّا الحقّ المرّ والعدل البحت ، يزورّون (١) عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحقّ ، لئلّا تنتزع الحقّ من أحداقهم بقضائك عليهم لخصومهم. وإن ثبت لهم حقّ على خصم أسرعوا إليك ، ولم يرضوا إلّا بحكومتك ، لتأخذ لهم ما كان لهم في ذمّة الخصم.
ثمّ قسّم الأمر في صدودهم عن حكومته إذا كان الحقّ عليهم ، بين أن يكونوا مرضى القلوب منافقين ، أو مرتابين في أمر نبوّته ، أو خائفين الحيف في قضائه ، فقال : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) كفر ، أو ميل إلى الظلم؟ (أَمِ ارْتابُوا) بأن رأوا منك تهمة ، فزالت ثقتهم ويقينهم بك؟ (أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ) في الحكومة؟
ثمّ أبطل ارتيابهم وخوفهم حيفه ، فقال إضرابا عن هذين القسمين لتحقيق القسم الأوّل : (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي : لا يخافون أن يحيف عليهم ، لمعرفتهم بحاله.
وإنّما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحقّ عليهم ، ويتمّ لهم جحوده ، وذلك شيء لا يستطيعونه في مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فمن ثمّ يأبون المحاكمة إليه.
ووجه التقسيم في الآية : أنّ امتناعهم إمّا لخلل فيهم ، أو في الحاكم. والثاني إمّا أن يكون محقّقا عندهم ، أو متوقّعا. وكلاهما باطل ، لأنّ منصب نبوّته وفرط أمانته يمنعه ، فتعيّن الأوّل. وظلمهم يعمّ خلل عقيدتهم ، وميل نفوسهم إلى الحيف والفصل ، لنفي ذلك
__________________
(١) ازورّ عنه : عدل وانحرف.