كقوله : (نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (١) فإنّه مدح الثواب ومكانه ، كما قال : (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (٢). فذمّ العقاب ومكانه ، لأنّ النعيم لا يتمّ للمتنعّم إلّا بطيب المكان وسعته وموافقته للمراد ، وكذلك العقاب يتضاعف يضيق الموضع وظلمته ، وجمعه لأسباب الكراهة. ولذلك ذكر المصير مع ذكر الجزاء.
(لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) ما يشاؤنه من النعيم. وفي تقديم الظرف تنبيه على أن كلّ المرادات لا تحصل إلّا في الجنّة. (خالِدِينَ) حال من أحد الضمائر (كانَ) الضمير لـ «ما يشاءون» ، أي : كان ذلك (عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) موعودا حقيقا بأن يسأل ويطلب. أو مسئولا سأله الناس في دعائهم : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) (٣). أو الملائكة يقولون : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) (٤). و «على» يتضمّن معنى الوجوب ، أي : واجبا على ربّك إنجازه ، لامتناع الخلف في وعده.
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩))
__________________
(١) الكهف : ٣١ و ٢٩.
(٢) الكهف : ٣١ و ٢٩.
(٣) آل عمران : ١٩٤.
(٤) غافر : ٨.