(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١) ، ولقوله : (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢). لكنّه في اقتضاء الجزاء مقيّد بعدم المزاحم وفاقا ، وهو التوبة إجماعا ، وعفو المؤمن الفاسق عندنا.
(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠))
ثمّ رجع سبحانه إلى مخاطبة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال جوابا لقولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) أي : إلّا رسلا إنّهم ... فحذف الموصوف لدلالة «المرسلين» عليه ، وأقيمت الصفة مقامه ، كقوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (٣).
على معنى : وما منّا أحد. ويجوز أن تكون حالا اكتفي فيها بالضمير.
(وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ) أيّها الناس (لِبَعْضٍ فِتْنَةً) ابتلاء. ومن ذلك ابتلاء الفقراء بالأغنياء ، والمرسلين بالمرسل إليهم ، ومناصبتهم لهم العداوة ، وإيذاؤهم لهم أنواع الأذى. وهو تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على ما استبدعوه من أكله الطعام ، ومشيه في الأسواق ، بعد ما احتجّ عليهم بسائر الرسل ، أو ما عيّروه من الفقر حين قالوا : (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) (٤).
(أَتَصْبِرُونَ) علّة للجعل. والمعنى : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة لنعلم أيّكم يصبر. ونظيره قوله : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٥). أو حثّ على الصبر على ما
__________________
(١) لقمان : ١٣.
(٢) الحجرات : ١١.
(٣) الصافّات : ١٦٤.
(٤) الفرقان : ٨.
(٥) الملك : ٢.