افتتنوا به. (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) بمن يصبر ، أو بالصواب فيما يبتلي به وغيره ، فلا يضيقنّ صدرك ، ولا يستخفّنّك أقاويلهم ، فإنّ في صبرك عليها سعادتك وفوزك في الدارين.
وقيل : معناه : جعلناك فتنة لهم ، لأنّك لو كنت غنيّا صاحب كنوز وجنان ، لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا ، أو ممزوجة بها ، فبعثناك فقيرا لتكون طاعة من يطيعك خالصة لنا ، من غير طمع وغرض دنيويّ.
وقيل : كان أبو جهل وأضرابه يقولون : إن أسلمنا وقد أسلم قبلنا عمّار وصهيب وبلال وفلان وفلان ، وسائر موالينا ورذالنا ، ترفّعوا علينا إذلالا بالسابقة ، فهو افتتان بعضهم ببعض. فقال الله لهؤلاء : أتصبرون على الأذى والاستهزاء لتفوزوا بسعادة الدارين ، فإنّ ربّكم عالم بأحوالكم ، ومجاز لأعمالكم؟
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣))
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ) لا يأملون (لِقاءَنا) لقاء جزائنا بالخير ، لكفرهم بالبعث. أو لا يخافون لقاء جزائنا بالشرّ على لغة تهامة ، فإنّ الرجاء في لغتهم بمعنى الخوف ، وبه فسّر قوله تعالى : (لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) (١). وأصل اللقاء الوصول إلى
__________________
(١) نوح : ١٣.