(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤))
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ) أي : أنزل ، كخبّر بمعنى : أخبر ، لئلّا يناقض قوله : (جُمْلَةً واحِدَةً) دفعة واحدة ، كالكتب الثلاثة.
وهذا أيضا من اعتراضاتهم واقتراحاتهم على شرادهم عن الحقّ ، وتجافيهم عن اتّباعه. ولا طائل تحته ، لأنّ الإعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو مفرّقا. وهم عجزوا عن أن يأتوا بنجم واحد من نجومه ، وتحدّوا بسورة واحدة من أصغر السّور ، فأبرزوا صفحة عجزهم حين لاذوا بالمناصبة والمنازعة ، وفزعوا إلى المحاربة. فاقتراحهم إنزاله جملة واحدة محض شراد وعناد.
مع أنّ للتفريق فوائد. منها : ما أشار إليه بقوله : (كَذلِكَ) صفة مصدر محذوف.
والإشارة إلى ما فهم من قولهم ، فإنّ قولهم : لو لا أنزل عليه جملة ، معناه : لم أنزل مفرّقا؟ فيكون المعنى : كذلك أنزلناه إنزالا كذلك ، أي : أنزلناه على التفريق.
(لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) لنقوّي بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه ، لأنّ حاله صلىاللهعليهوآلهوسلم يخالف حال عيسى وموسى وداود عليهمالسلام ، حيث كان أمّيّا وكانوا يكتبون ، فلو ألقي إليه جملة لدهش بحفظه ، فلم يكن له بدّ من التلقّن والتحفّظ على وجه النجوم. ولأنّ فيه مزيد بصيرة وغوص في المعنى. ولأنّ نزوله على حسب الوقائع وجوابات السائلين. ولأنّه إذا نزّل منجّما وهو يتحدّى بكلّ نجم ، فيعجزون عن معارضته ، وزاد ذلك قوّة قلبه. ولأنّه إذا نزّل به جبرائيل حالا بعد حال يثبت به فؤاده. ولأنّ فيه معرفة الناسخ والمنسوخ. وغير ذلك من الفوائد.