يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) من أخطأ طريقا عن الهدى ، أنتم أم المؤمنون؟ وهو كالجواب لقولهم : (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) ، فإنّه يفيد نفي ما يلزمه ويكون الموجب له. وفيه وعيد ودلالة على أنّه لا يهملهم وإن أمهلهم.
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤))
روي : أنّ الرجل من المشركين كان يعبد الحجر ، فإذا رأى أحسن منه رمى به وأخذ يعبد الآخر ، ومنهم الحرث بن قيس السهمي ، فعجّب الله سبحانه نبيّه من نهاية جهلهم ، فقال : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) بأن أطاعه وبنى عليه دينه ، ويتّبعه في كلّ ما يأتي ويذر ، لا يسمع حجّة ، ولا يتبصّر دليلا ، ولا يصغي إلى برهان. وإنّما قدّم المفعول الثاني للعناية به ، كما تقول : علمت منطلقا زيدا ، لفرط عنايتك بالمنطلق.
(أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) حفيظا قادرا على أن تمنعه عن الشرك والمعاصي.
والاستفهام الأوّل للتقرير والتعجيب. والثاني للإنكار ، أي : كيف تستطيع أن تدعو من لا يرى معبوده إلّا الهوى إلى الهدى ، وتجبره على الإسلام؟ وتسمية الحفيظ بالوكيل ، لأنّ الوكيل هو الكافي للشيء ، ولا يكون كذلك إلّا وهو قادر عليه.
ثمّ قال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (أَمْ تَحْسَبُ) بل تظنّ (أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ) ما تقوله سماع طالب للإفهام (أَوْ يَعْقِلُونَ) ما تقوله لهم ، وتقرأه عليهم ، فتجدي لهم الآيات أو الحجج ، فتهتمّ بشأنهم ، وتطمع في إيمانهم. وهذا أشدّ ندامة ممّا قبله ، حتّى حقّ بالإضراب عنه إليه. وتخصيص الأكثر لأنّه كان منهم من آمن ، ومنهم من عقل الحقّ وكابر استكبارا وخوفا على الرئاسة.
ثمّ شبّههم بالأنعام في عدم انتفاعهم بقرع الآيات آذانهم ، وعدم تدبّرهم فيما