شاهدوا من الدلائل والمعجزات ، فقال : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) أي : ما هم إلّا كالبهائم الّتي تسمع النداء ولا تعقل.
ثمّ جعلهم أضلّ منها ، فقال : (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) من الأنعام ، لأنّها تنقاد لمن يتعهّدها ، وتميّز من يحسن إليها ممّن يسيء إليها ، وتطلب ما ينفعها ، وتتجنّب ما يضرّها. وهم لا ينقادون لربّهم ، ولا يعرفون إحسانه من إساءة الشيطان الّذي هو أعدى أعدائهم ، ولا يطلبون الثواب الّذي هو أعظم المنافع ، ولا يتّقون العقاب الّذي هو أشدّ المضارّ والمهالك. ولأنّها إن لم تعتقد حقّا ، ولم تكتسب خيرا ، لم تعتقد باطلا ، ولم تكتسب شرّا ، بخلاف هؤلاء. ولأنّ جهالتها لا تضرّ بأحد ، وجهالة هؤلاء تؤدّي إلى هيج الفتن ، وصدّ الناس عن الحقّ. ولأنّها غير متمكّنة من طلب الكمال ، فلا تقصير منها ولا ذمّ. وهؤلاء مقصّرون ومستحقّون أعظم العقاب على تقصير هم ، فبينهما بون بعيد.
(أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠))