لأنّ أفعل التفضيل تمامه بـ «من» المقدّرة ، فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلام ، كقولك : أعمالكم. وأمّا الأوّل فلم يتعلّق به شيء ، فكانت ألفه واقعة في الطرف معرضة للإمالة. وقرأ ورش بين بين فيهما.
(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥))
روي أنّ ثقيفا قالت للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا ندخل في أمرك حتّى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب : لا نعشر (١) ، ولا نحشر ، ولا نجّبي في صلاتنا ، وكلّ ربا لنا فهو لنا ، وكلّ ربا علينا فهو موضوع عنّا ، وأن تمتّعنا باللات سنة ، ولا نكسرها بأيدينا عند رأس الحول ، وأن تحرّم وادينا كما حرّمت مكّة ، فإن قالت العرب : لم فعلت ذلك؟ فقل : إنّ الله أمرني به.
وجاؤا بكتابهم فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمّد رسول الله لثقيف : لا يعشرون ولا يحشرون. فقالوا : ولا يجبّون. فسكت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثم قالوا للكاتب : اكتب : ولا يجبّون ، والكاتب ينظر إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقام عمر فسلّ سيفه فقال : أسعرتم قلب نبيّنا يا معشر قريش ، أسعر الله قلوبكم نارا. فقالوا : لسنا نكلّم إيّاك ، إنّما نكلّم محمدا. فنزلت : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ).
وقيل : نزلت في قريش قالوا : اجعل آية رحمة آية عذاب ، وآية عذاب آية
__________________
(١) لا نعشر أي : لا يؤخذ عشر أموالنا. ولا نحشر أي : لا نبعث إلى المغازي. ولا نجبّي من : جبّى تجبية أي : وضع يديه على ركبتيه أو على الأرض وقت السجود.