و «من» ابتدائيّة ، أي : هب لنا من جهتهم. أو بيانيّة ، كقولك : رأيت منك أسدا ، أي : أنت أسد. كأنّه قيل : هب لنا قرّة أعين ، ثمّ بيّنت القرّة بقوله : (مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا).
وقرأ ابن عامر والحرميّان وحفص ويعقوب : وذرّيّاتنا ، وهم الأزواج والأعقاب.
وتنكير الأعين لإرادة تنكير القرّة تعظيما ، كأنّه قال : هب لنا منهم سرورا عظيما وفرحا كثيرا. وإنّما قال : أعين ، دون عيون ، لتقليلها ، لأنّ المراد أعين المتّقين ، وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم. قال الله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١).
(وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) أي : أئمّة يقتدون بنا في أمر الدين ، بإفاضة العلم والتوفيق للعمل. وتوحيده للدلالة على الجنس ، وعدم اللبس ، كقوله : (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) (٢). أو لأنّه مصدر في أصله. أو لأنّ المراد : واجعل كلّ واحد منّا. أو لأنّهم كنفس واحدة ، لاتّحاد طريقتهم واتّفاق كلمتهم. وفيه تنبيه على استحباب طلب الرئاسة في الدين ، والرغبة فيها. وقيل : جمع آمّ. كصائم وصيام. والمراد : قاصدين لهم ، مقتدين بهم.
عن الصادق عليهالسلام في قوله : (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) : إيّانا عنى. وروي عنه أيضا أنّه قال : «هذه فينا».
(أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧))
__________________
(١) سبأ : ١٣.
(٢) الحجّ : ٥.