فالحكمة الّتي أوتيها العبد خير كثير في نفسها ، إلّا أنّها إذا أضيفت إلى علم الله فهي قليلة.
وقيل : هو خطاب لليهود خاصّة ، لأنّهم قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : قد أوتينا التوراة ، وفيها الحكمة ، وقد تلوت : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً). فقيل لهم : إنّ علم التوراة قليل في جنب علم الله.
(وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧))
ثمّ امتنّ سبحانه ببقاء القرآن بعد المنّة في تنزيله ، فقال : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) اللام الأولى توطئة للقسم ، و «لنذهبنّ» جوابه النائب مناب جزاء الشرط. والمعنى : إن شئنا ذهبنا بالقرآن ، ومحوناه من المصاحف والصدور ، فلم نترك له أثرا ، وبقيت كما كنت لا تدري ما الكتاب. (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) من يتوكّل علينا استرداده وإعادته مسطورا محفوظا.
(إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) إلّا أن يرحمك ربّك فيردّه عليك ، كأنّ رحمته تتوكّل عليه بالردّ. ويجوز أن يكون استثناء منقطعا ، بمعنى : ولكن رحمة من ربّك تركته غير مذهوب به. (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) كإرساله ، وإنزال الكتاب عليه ، وإبقائه في حفظه.
فعلى كلّ ذي علم أن لا يغفل عن هاتين النعمتين والقيام بشكرهما.
عن ابن مسعود : إنّ أوّل ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخر ما تفقدون الصلاة ، وليصلّينّ قوم ولا دين لهم ، وإنّ هذا القرآن تصبحون يوما وما فيكم منه شيء. فقال رجل : كيف ذلك وقد أثبتناه في قلوبنا ، وأثبتناه في مصاحفنا ، نعلّمه أبناءنا ، ويعلّمه أبناؤنا أبناءهم؟ فقال : يسرى عليه ليلا فيصبح الناس منه فقراء ، ترفع المصاحف ، وينزع ما في القلوب.