ما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها ، من زخارف الدنيا وما يستحسن منها (لِنَبْلُوَهُمْ) أي : لنعامل عبادنا معاملة المبتلي (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي : أعمل بطاعة الله ، وأطوع له في تعاطيه. وهو : من زهد فيه ، ولم يغترّ به ، وقنع منه بما يزجّي (١) به أيّامه ، وصرفه على ما ينبغي ، وفيه تسكين لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثمّ زهّد العباد فيه بقوله : (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) هي الأرض الّتي قطع نباتها ، من الجرز بمعنى القطع. والمعنى : إنّا لنعيد ما عليها من الزينة ترابا مستويا بالأرض ، ونجعله كصعيد أملس لا نبات فيه ، بعد أن كانت خضراء معشبة ، في إزالة بهجته ، وإماطة حسنه ، وإبطال ما به كان زينة.
(أَمْ حَسِبْتَ) أم منقطعة ، والخطاب للرسول ، والمقصود أمّته. يعني : بل حسبت (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ) في إبقاء حياتهم مدّة مديدة (كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) أي : كانوا آية عجبا من آياتنا. وصفا بالمصدر ، أو على : ذات عجب على تقدير المضاف.
وقصّتهم بالإضافة إلى خلق ما على الأرض من الأجناس والأنواع الّتي لا حصر لها ، على طبائع متباعدة وهيئات متخالفة تعجب الناظرين ، مع أنّها من مادّة واحدة ، ثمّ ردّها إلى الأرض ، ليس (٢) بعجيب ، مع أنّه من آيات الله كالنزر الحقير.
والكهف : الغار الواسع في الجبل. والرقيم قيل : اسم الجبل. وعن ابن عبّاس : إنّه اسم الوادي الّذي فيه كهفهم. أو اسم قريتهم ، أو كلبهم ، كما قال أميّة بن أبي الصلت :
وليس بها إلّا الرقيم مجاورا |
|
وصيدهم والقوم في الكهف هجّد |
وعن ابن سعيد : لوح رصاصيّ أو حجريّ رقمت فيه أسماؤهم ، وجعل على باب الكهف.
وعن النعمان بن بشير مرفوعا : أنّ أصحاب الرقيم قوم آخرون كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم ، فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف ، فانحطّت صخرة وسدّت بابه. فقال أحدهم : اذكروا أيّكم عمل حسنة ، لعلّ الله يرحمنا ببركته.
__________________
(١) زجّى يزجّي تزجية : دفع. يقال : كيف تزجّي أيّامك؟ أي : كيف تدفعها؟
(٢) خبر «وقصّتهم» قبل سطرين.