وهو يميز تمييزا دقيقا بين الارادة والاختيار ، فالارادة هي نزوع إلى ما ندركه عن الاحساس والتخيل ، أما الاختيار فهو نزوع عما ندركه عن روية ونطق.
أما السعادة فهي الخير المطلوب لذاته ، وليس وراءه خير أسمى منه وأبعد منه ، وهي الغاية التي ينشدها كل إنسان ونحصل عليها بالمعرفة أو باستكمال عقلنا بالمعقولات كما قال أرسطو. ففي هذا الاستكمال تغدو النفس بريئة من المادة ، كما نحصل عليها بأفعال إرادية محدودة وجميلة تدعى الفضائل.
والفضائل ليست سوى خيرات جزئية تمهد لبلوغ الخير الأعلى أو السعادة.
أما الشر فهو كل عمل يعوق عن السعادة ، إنه الفعل القبيح. وتدعى الهيئات والملكات التي تصدر عنها الأفعال الشريرة الرذائل والخسائس.
وتتحقق السعادة اذا أدركت بالعقل ، وتشوفت بالقوة النزوعية ، وفعل ما ينبغي أن يفعل بآلات النزوعية.
٥ ـ الاجتماعات المدنية :
خصص الفارابي النصف الثاني من كتابه لبحث الناحية الاجتماعية. وهو يذهب الى أن أساس الاجتماع الحاجة الفطرية. ذلك أن المرء لا يستطيع أن يوفر لنفسه بمفرده حاجاته العديدة الى المأكل والملبس والمأوى والأمن ... الخ ، فيضطر الى التعاون مع جماعة من بني جلدته لتأمين ذلك فينشأ المجتمع الذي يتألف من أفراد عديدين.
وهو يقسم الاجتماعات الى فئتين : اجتماعات كاملة واجتماعات ناقصة. ويقسم الكاملة الى ثلاثة : عظمى ووسطى وصغرى. فالعظمى تشمل جميع سكان الأرض ، والوسطى تشمل الأمة ، والصغرى تشمل المدينة ، أما الناقصة فهي القرية التي تتبع المدينة ، والناحية (قسم من المدينة) ، والسكة (قسم من الناحية) ، والمنزل (قسم من السكة).