٣ ـ النفس :
لم يعن الفارابي في كتابه هذا بتحديد النفس ، ولا بإثبات وجودها ، وإنما اهتم بالكلام على قواها الخمس التي ذكرها أرسطو من قبل أي الغاذية والحاسة والمتخيلة والنزوعية والناطقة.
الغاذية يرأسها القلب وتخدمها رواضع هي الكبد والمعدة والطحال والمرارة والكليتان والمثانة.
والحاسة يرأسها القلب أيضا وتخدمها رواضع هي الحواس الخمس : العينان والأذنان والأنف واللسان والجلد. وهي تمد القلب بأخبار العالم الخارجي ، كما يمد رجال المخابرات الملك بأخبار مملكته.
والمتخيلة مركزها القلب كذلك ولكن لا رواضع لها. وهي تحفظ صور المحسوسات بعد غيبتها عن الحس ، وتركب منها تركيبات جديدة مختلفة.
والناطقة كالمتخيلة ليس لها رواضع ومركزها القلب ، ولكنها ترأس القوى الغاذية والحاسة والمتخيلة.
أما النزوعية فهي التي تعرف بالارادة. والارادة هي نزوع إلى الشيء الذي أدركناه بالحس أو المتخيلة أو الناطقة وحكم بأخذه أو تركه أو في عمله أو علمه. والأعضاء المنفذة لما تقرره الارادة هي الأعصاب والعضلات واليدان والرجلان وسائر أعضاء الحركة ، هذا إذا كان الأمر فعلا. أما إذا كان ما تنزع إليه علما بشيء ما ، فإن القوة الناطقة هي التي تتولى التنفيذ وذلك بإعمال الفكر والتأمل والاستنباط.
وإذا كان ما نريده شيئا غير موجود بادرت المتخيلة تصور الشيء الذي يرجى ويتوقع أو تصور الماضي ، أو تركب الشيء الذي نتمناه. وهكذا تعتبر سائر القوى خادمة للنزوعية.