وقوى النفس متراتبة بعضها أشرف من بعض؛ أدناها الغاذية وأشرف منها الحاسة فالمتخيلة فالناطقة. أما النزوعية فتابعة لها جميعا. والدنيا شبه مادة للعليا ، والعليا شبه صورة للدنيا.
وكذلك الحال في أعضاء الجسم ، إنها متراتبة أعلاها القلب وأدنى منه بقليل الدماغ فالكبد فالطحال فأعضاء التوليد.
والقلب مركز جميع قوى النفس ، وينبوع الروح الحيوانية أو الحرارة الغريزية. وبذا يميز الفارابي بين الروح والنفس.
والدماغ يعدل الحرارة الغريزية ، وينقل الاحساسات التي في الخارج بواسطة الحواس الخمس والأعصاب الى أعضاء الحركة. وهو يخدم القلب عند ما يفكر ويتخيل ويحفظ ويتذكر ، بأن يعدل حرارته. ومن هنا اقتضت الحكمة أن تكون مغارز الأعصاب في الدماغ وليس في القلب.
أما القوة المولدة فمركزها القلب أيضا وخدمها أعضاء التوليد عند كل من الذكر والأنثى. والمرأة تعطي مادة الجنين وهي دم الرحم ، والرجل يعطي صورة الجنين الموجودة في المني ، والمني يتكون في عروق الأنثيين ويصب في الرحم ويمنح الدم صورة الجنين. وأول ما يتكون في الجنين القلب ، واذا حصلت في الجنين ، عند تكون الغاذية ، القوة التي تعد مادة الجنين كان الجنين أنثى ، واذا حصلت فيه القوة التي تعطي الصورة جاء الجنين ذكرا.
والمرأة والرجل لا يختلفان إلا بأعضاء التوليد ، وفي كون الرجل أقوى جسما وأقسى قلبا. وهما يشتركان في قوى النفس وفي سائر الأعضاء ، ولا يوجد فرق بينهما في قوى الاحساس أو التخيل أو العقل.
ويولي الفارابي القوة الناطقة والقوة المتخيلة أهمية قصوى ، فبهما تتم المعرفة ، وعلى المتخيلة تعتمد الأحلام والنبوة.
فالناطقة تتلقى رسوم المعقولات ، والمعقولات تكون بالقوة كالعقول المفارقة ، أو بالفعل كالأجسام الطبيعية ، والعقل البشري هو «هيئة ما في مادة