الفصل الثاني
في مدارك اليقين والاعتقاد
لعلّك تقول قد استقصيت في شروط اليقين استقصاء مؤنسا عن نيله والظفر به فمن أين يقتنص مثل هذا اليقين وما آلته ومدركه. فاعلم أن مدارك الظنون لست أذكرها فإنها واضحة للفقهاء والناس كافة ، ولكن أذكر مدارك اليقين والاعتقادات التي يظنّ بها اليقين ومجامعها فيما حضرني الآن ينحصر في سبعة أقسام ، ولنخترع لكل واحد منها اسما مشتقا من سببه :
الأول أوليات : وأعني بها العقليات المحضة التي اقتضى ذات العقل بمجرد حصولها من غير استعانة بحس التصديق بها مثل علم الإنسان بوجود ذاته ، وبأن الواحد لا يكون قديما حادثا ، وأن النقيضين إذا صدق أحدهما كذب الآخر ، وأن الاثنين أكثر من الواحد ونظائره. وبالجملة هذه القضايا تصادف مرتبة في العقل منذ وجوده حتى يظن العاقل أنه لم يزل عالما به ، ولا يدري متى حصل ولا يقف حصوله على وجود أمر سوى العقل ، إذ يرتسم فيه الوجود مفردا والقديم مفردا والحادث مفردا والقوة المفكرة تجمع هذه المفردات وتنسب بعضها إلى بعض ، مثل أن تحضر أن القديم حادث ويكذب العقل به أو أن القديم ليس بحادث ويصدق العقل به ، ولا نحتاج إلا إلى ذهن ترتسم فيه المفردات وإلى قوة مفكرة تنسب بعض هذه المفردات إلى البعض فيتربص العقل على البديهة إلى التصديق أو التكذيب.
الثاني المشاهدات الباطنة : وذلك كعلم الإنسان بجوع نفسه وعطشه