الفصل الخامس
في حصر مدارك الغلط في القياس
اعلم أن الشيطان مسلّط على كل ناظر ومشغوف بتلبيس الحق وتغطيته ومصرّ على الوفاء بقوله (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (١) والتحذّر منه شديد ولا يتيسر إلا لمن هو في محل استثنائه حيث قال (إِلاّٰ عِبٰادَكَ مِنْهُمُ اَلْمُخْلَصِينَ) (٢) جعلنا اللّه وإيّاك منهم فعليك أن تأخذ في نظرك من الشيطان ووسواسه حذرك.
فإن قلت كيف لي به مع ما أنا عليه من الضعف ومع ما هو عليه من التسلط والتمكن حتى أنه ليجري من ابن آدم مجرى الدم ، فاعلم أن العقل حزب من أحزاب اللّه تعالى ذكره وجنّد من جنوده ما أنعم به عليك إلا لتستعين به على أعدائه ووجه الاستعانة أن تتفقّد بنور العقل وسراجه الزاهر مداخل الشيطان في النظر ، وتعلم أن حصن النظر والدليل ما لم ينثلم ركن من أركانه لم يجد الشيطان مدخلا فإنه لا يدخل إلا من الثلم ، فإذا أبصرت الثلم بنور العقل وسددتها وأحكمت معاقلها انصرف الشيطان خائبا خاسرا واهتديت إلى الحق ونلت بمعرفة الحق درجة القرب من رب العالمين. وجميع الثلم التي هي مداخل الغلط ترجع في القياس إلى سبع جمل وإن كان لكل واحد تفصيل طويل ونحن نومي إلى الجمل ، وذلك ، أنك بالضرورة
__________________
(١) سورة ص ، الآية ٨٢.
(٢) سورة ص ، الآية ٨٣.