تركته تشوّش النظم ولم تخرج الحقيقة عن كونها مذكورة مع اضطراب اللفظ والإنكار عليك في ذلك أقل ممّا في الأول. وهو أن تقتصر على الجسم.
والثالث أنك إذا وجدت الجنس القريب فإيّاك أن تذكر البعيد معه فيكون مكررا كما تقول مائع شراب ، أو تقتصر على البعيد فيكون مبعدا كما إذا قيل ما الخمر فلا تقل جسم مسكر مأخوذ من العنب. وإذا ذكرت هذا فقد ذكرت ما هو ذاتي ومطرد ومنعكس ولكنه مخيّل قاصر عن تصور كنه حقيقة الخمر. بل لو قلت مائع مسكر كان أقرب من الجسم ، وهو أيضا ضعيف.
بل ينبغي أن تقول شراب مسكر ، فإنه الأقرب الأخص ولا تجد بعده جنسا أخصّ منه. فإذا ذكرت الجنس فاطلب بعده الفصل ، إذ الشراب يتناول سائر الأشربة ، واجتهد أن تفصّل بالذاتيات إلا إذا عسر عليك ، وهو كذلك في أكثر الحدود ، فاعدل بعد ذكر الجنس إلى ذكر اللوازم واجتهد أن يكون ما ذكرته من اللوازم الظاهرة المعروفة؛ فإن الخفي لا يعرف به كما إذا قيل ما الأسد قلت سبع أبخر يتميّز بالبخر عن الكلب ، فإن البخر من خواصه ولكنه من الخواص الخفيّة ، ولو قلت شجاع عريض الأعالي لكانت هذه اللوازم والأعراض أقرب إلى الفهم لأنها أجلى وأكثر ما يرى في الكتب من الحدود رسمية ، إذ الحقيقة عزيزة ورعاية الترتيب حتى لا يبتدي بالأخص قبل الأعم عسير ، وطلب الجنس الأقرب عسير. فإنك ربما تقول في الأسد إنه حيوان شجاع ولا يحضرك لفظ السبع ، فتجتمع أنواع من العسر ، وأحسن الرسميات ما وضع فيها الجنس الأقرب ، وأتمّ بالخواص المشهورة المعروفة. الرابع أن تحترز عن الألفاظ الغريبة الوحشية والمجازية البعيدة والمشتركة المتردّدة ، واجتهد في الإيجاز ما قدرت وفي طلب اللفظ النص ما أمكنك ، فإن أعوزك النص وافتقرت إلى الاستعارة فاطلب من الاستعارات ما هو أشد مناسبة للغرض واذكر مرادك به للسائل. فما كل أمر معقول له عبارة صريحة موضوعة ولو طول مطوّل أو استعار مستعير أو أتى بلفظ مشترك وعرف مراده بالتصريح أو عرف بالقرينة ، فلا ينبغي أن يستعظم صنيعه ويبالغ في ذمه إن كان قد كشف الحقيقة بذكر جميع الذاتيات ، فإنه