وهو مشترك ولفظ الذهن وهو غريب ولفظ البصيرة ، وكأنه يشير إلى الاتصال ولا يلتفت إلى المشغوفين بالعبارات المصدوفين بغير الحق عن الحقائق. فاعلم أن السكون إذا قرن بالذهن زال منه الإجمال ، وأن الذهن ذكرته لأني أظنه مفهوما عندك ولا أمنع من إبداله في حق من لا يعرفه ، فقصد الحد الحقيقي تصور كنه الماهية في نفس المستفيد الطالب بأي لفظ كان ، فإن قلت فهل يتصور أن يكون للشيء الواحد حدان قلت : أما الحد اللفظي فيتصور أن يكون له ألف ، وذلك يختلف بكثرة الأسامي في بعض اللغات وقلتها في البعض ويختلف باختلاف الأمم. وأما الحد الرسمي أيضا فيجوز أن يتعدّد لأن لوازم الأشياء ليست محصورة. وأما الحد الحقيقي فلا يتصور إلا واحدا لأن الذاتيات محصورة ، فإن لم يذكرها لم يكن حقيقيا وإن ذكر بعضها فالحد ناقص وإن ذكر مع الذاتيات زيادة فالزيادة حشو ، فإذا لا يتعدّد هذا الحد.
الامتحان الثالث : قيل في حد العرض ما لا يبقى أو ما يستحيل بقاؤه أو لا يقوم بنفسه ، وهذا مختل لأنه ذكر لازم ليس يتعرض للذات ، ثم هو لازم سلبي والإثبات أقرب إلى التفهيم. وقيل إنه الذي يعرض في الجوهر ، وقولك يعرض كأنه مأخوذ منه العرض وفيه إدخال الجوهر في حدّه وهو أيضا ممّا يطلب حدّه ، فيمكن إحالته على العرض بأن يقال الذي يقوم به العرض. فليس هذا الفن مرضيا بل نقول طالب هذا الحد كأنه يطلب أن يتفهم ما نريده في اصطلاحنا بهذا الاسم ، وإلا فالعرض ما ثبتت حقيقته في النفس ثبوتا أوليا لا يحتاج إلى طلبه بصناعة الحد ، إذ بيّنا أن من المعارف ما يستغنى في تفهمها عن الحد وإلا يتسلسل الأمر إلى غير نهاية. فنقول له اعلم إن العقل أدرك الوجود ثم أدرك انقسامه إلى ما يستدعى محلا يقوم به وإلى ما لا يستدعيه ، ثم أدرك انقسام القائم بالعين إلى ما يطرأ بعد أن لم يكن وإلى ما لا يكون طارئا كصفات اللّه تعالى. فالعرض عبارة عن الذي يطرأ بعد أن لم يكن ويستدعي في تحديده في الوقت أنه حادث يستدعي وجوده محلا يقوم به. والمعتزلة إذ نفوا صفات الباري كان اصطلاحهم لا