الحدود ، ولكن الغرض أن أفيدك طريق التحديد بعد أن عيّنت في التماسك ذلك ، فليكن نظرك في الحدود كما أقوله ، وهو أن المتضادين دالان على شيئين لا محالة وكل شيئين فينقسمان إلى ما لهما محل وإلى ما لا محل لهما ، وكل ما لهما محل فينقسمان إلى ما يجتمعان كالسواد والحركة وإلى ما لا يجتمعان. فينقسم إلى ما يختلف بالحد والحقيقة كالسواد والبياض وإلى ما لا يختلف. والذي لا يختلف أيضا ينقسم إلى ما لا يجوز أن يكون لواحد عارض أو لازم ليس للآخر بل يسد أحدهما مسد الآخر في كل حال ، كالبياضين والسوادين ، وبالجملة كالمثلين. وإلى ما يتّحد في الحدود والحقيقة ولا تختلف طباعهما ، ولكن لا يسد أحدهما مسد الآخر ، كالكونين في مكانين وليس كالكونين في مكان واحد ، إذ لا يجتمع في الجوهر في حالة واحدة لا كونان في مكان واحد ، ولا كون في مكانين. والذي بينهما اختلاف ينقسم إلى ما بينهما غاية الخلاف الذي لا يمكن أن يكون وراءه خلاف كالسواد والبياض والحركة الصاعدة والحركة الهابطة وإلى ما ليس في الغاية ، كمخالفة الماء الحار الفاتر ، فإنه أقل من مخالفته للبارد والشديد البرودة ، وكمخالفة الحركة يمينا الصاعدة ، فإنها أقل من مخالفتها للحركة يسارا ، أعني المقابل. فإذا تمهدت في عقلك هذه الأقسام فانظر إلى لفظ المتضادين وأنه كيف وضع الاصطلاح فيه. وأقل الدرجات في المتضادين هما المعنيان اللذان يتعاقبان على محل واحد لا يجتمعان سواء كانا مختلفين أو متماثلين. وقد اصطلح فريق على إطلاق الاسم على هذا ، فيوضع هذا الاسم. سمّوا المثلين متضادين ، وفريق آخر شرطوا زيادة لإطلاق هذا الاسم وهو أن لا يسد أحدهما مسد الآخر فلم يطلقوه على الكونين في حيّز واحد وأطلقوه على الكونين في حيّزين. وفريق ثالث شرطوا زيادة أمر وهو أن يكون بينهما اختلاف في الحد والحقيقة ، أي لا يدخل أحدهما في حد الآخر ، فإنا إذا حدّينا الكون بأنه اختصاص بالحيّز دخل فيه جميع الأكوان ، فليس بين الاحياز اختلاف بالطبع ولا بين الأكوان بل هي متشابهة. فهؤلاء لم يسمّوا الأكوان متضادة لكن المختلفات