كالحرارة والبرودة. وفريق رابع شرطوا زيادة ، وهو أن يكون بينهما غاية الخلاف الممكن في ذلك النوع من التضاد ، بحيث لا يكون وراءه خلاف ، وهؤلاء هم الفلاسفة ، وهذا اصطلاحهم ، فزعموا أن البياض لا يضاد العودي بل السواد والحار لا يضاد الفاتر بل البارد ، فهذا هو الشرح. ونرى جماعة من العميان يتعاورون في هذه الحدود ظانين أن فيها نزاعا ولا يدركون أن النظر نظران أحدهما في الحقائق المجردة دون الألفاظ وهؤلاء الانقسامات التي ذكرناها أو لا وليس في العقلاء من ينكر شيئا منها ، والثاني في إطلاق الألفاظ والاصطلاحات ، وذلك يتعلق بالشبيه. فإن الألفاظ طافحة مباحة لم يثبت من جهة الشرع وقفها على معنى معيّن حتى يمنع من استعمالها على وجه آخر. ولعمري لو قيل إن واضع اللغة وضعه لشيء في الأصل فهو وقف عليه بالحقيقة ولغيره استعارته هذا لا أمنع منه ، ولكن الخوض فيه لا يليق بالمحصل الناظر في المعقولات بل بالأدباء الناظرين في اللغات. وقد ترى الواحد يغتاظ ويقول كيف يستجيز العاقل أن يقول الكونان لا يتضادان ومعلوم أنهما لا يجتمعان وإنما ذلك لما في نفسه من القياس الخطأ الذي لا يشعر به ، ونظم ذلك القياس أن قولنا يتضادان وقولنا يجتمعان واحد فكيف يقال يجتمعان ولا يجتمعان ، إذ يظهر أن كل ما لا يجتمعان فواجب تسميتهما متضادين ، ومعلوم أن الكونين لا يجتمعان فوجب تسميتهما متضادين ، ومن يدري أن وجوب تسمية ما لا يجتمعان متضادين غير ثابت بل التسمية إلى أهل الاصطلاح.
الامتحان السادس : قيل في حد الحياة إنها المعنى الذي يستحق من قام به أن يشتق له منه اسم الحي ، وهذا من طوائف الحدود فإنه تعريف المعنى بلفظ يطلق على المعنى ، ومن قنع بمثل هذا في فهم الحياة فقد رضي من العلوم بقشورها. وقيل ما أوجب كون الحي حيا أو ما كان المحل به حيا. وقد عرفت ما في هذا الجنس. وقيل ما يصح بوجودها العلم أو ما تصح بوجودها القدرة أو الإرادة ، وهذا تعريف للشيء بذكر بعض توابعه.