موجودا ، أعني نفس التبدّل لأنه ما دام السواد موجودا فلا تبدّل. وإذا وجد البياض بعد عدم السواد فلا تبدّل. فيكون التبدّل عبارة أطلقت على أمر معقول يستدعي ثبوته زيادة على آن واحد. فقالوا الحركة لا وجود لها بالفعل في آن البتة وإنما وجودها في زمان ممتد ، والزمان لا يوجد منه جزء ما لم يفن الذي قبله ، فلا يصادف وجودا إلا في الوهم أما في الخارج فلا. وهؤلاء هم الفلاسفة. وقال أهل الحق لسنا نطلق اسم الحركة عليه من حيث أنه كونان في مكانين بل من حيث أنه كون في مكان لم يكن قبله وبعده فيه ، فألزموا أن الجرم الذي وجد في حالة واحدة لم يكن قبله ولا بعده فيه فزادوا مع وجود الجوهر للاحتراز. وهذا الإطلاق يستدعي صدقه ثلاثة أحوال ، فمن يكتفي بحالتين وتكون الحركة عنده عبارة عن كون الجوهر في حيّز لم يكن قبله فيه مع وجوده ، وأعني به الفصل القريب. فهو مسمّى حركة من حيث أنه شغل بحيّز حصل به مع فراغ الآخر. وأما السكون فهو كون في مكان كان قبله فيه. ومن أراد أن يغيّر هذه العبارات فلا حجر عليه بعد أن يقرّر في عقله الأقسام الخمسة الأول ، فإنه بعد ذلك سنّة اللغوي الناظر في الألفاظ لا المتكلم الباحث عن المعاني. ولنختم الامتحانات بذكر حد واحد من حدود الفقهاء والأصوليين.
الامتحان الثامن : اختلفوا في حد الواجب فقيل الواجب ما تعلّق به الإيجاب ، وقيل ما لا بد من فعله ، وقيل ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه ، وقيل ما يجب بتركه العقاب ، وقيل ما لا يجوز الإقدام على تركه ، وقيل ما يصير المكلّف بتركه عاصيا ، وقيل ما يلام تاركه شرعا. ولو تتبّعت هذه الحدود طال الأمر ففيما قدّمته ما يعرفك وجه الخلل في المختل منها ، لكن أهديك إلى الحق الواضح بتمهيد سبيل السلوك ، وهو أن تستنهج ما نهجته لك فتعلم أن الألفاظ في هذا الفن خمسة الواجب والمحظور والمندوب والمكروه والمباح. فدع الألفاظ جانبا وجز بالنظر إلى المعنى أولا ، وأنت تعلم أن الواجب اسم مشترك ، إذ يطلقه المتكلم في مقابلة