الرشاد. لأنّ برهان العقل هو الذي يعرف به صدق الشارع ، والذي يقتصر على محض العقل ولا يستضيء بنور الشرع ولا يهتدي إلى الصواب ، ومثل العقل البصر السليم عن الآفات والأذاء. فالمعرض عن العقل مكتفيا بنور القرآن كالمعترض لنور الشمس مغمضا الأجفان» (١) ، وعلى الرغم من هذه الوساطيّة ، فإنّ الغزالي تأثّر بجملة التناقضات السياسيّة والفكريّة وخاض غمارها ، قناعات ومعاناة في أثناء رحلته العلميّة. ولعب هذا التعدّد والتمزّق دورا مؤزّما في نفسيّته ، إذ تواجهت الآراء السنيّة الملتزمة بالآراء الباطنيّة الرافضة والمعارضة. وتواجه الفقه المرتبط في النصوص بالمنهج العقليّ المجرّد وبالآراء الفلسفيّة العقليّة ، كما تقابلت الجبريّة بالحريّة المختارة اختيارا تاما ، والزهد المرتبط في الدين بالتصوّف المرتبط في التجربة الذوقيّة والمكاشفة الإلهيّة.
وقد ترك الغزالي كتبا في شتّى هذه العلوم ، وحلّ الكثير من معضلات المواجهة بالموقف الوساطيّ الذي تحدّثنا عنه. والذي يعنينا هنا مؤلّفاته المنطقيّة ، وهي بحسب تسلسل تأليفها التاريخيّ ما يلي :
أوّلا ـ مقاصد الفلاسفة : تناول فيه آراء الفلاسفة في المنطق والطبيعة والميتافيزيقا. ويعتبره بعضهم مقدّمة لكتاب تهافت الفلاسفة الذي ردّ فيه الإمام على دعاوى الفلاسفة من دون التعرّض لمسائلهم المنطقيّة.
ثانيا ـ معيار العلم : عرضت فيه آراء منطقيّة مختلفة ، خالطها ميل إلى إيراد بعض المصطلحات والأمثلة الإسلاميّة.
ثالثا ـ محكّ النظر : برزت فيه الآراء المنطقيّة أيضا ، لكنّ الغزالي طواها على آراء إسلاميّة ، قالبا المصطلحات والأمثلة إلى مصطلحات وأمثلة أصوليّة تماما.
__________________
(١) الغزالي ، الاقتصاد في الاعتقاد ، القاهرة ، المكتبة التجاريّة الكبرى ، ١٩٣٦ ، ص ٢.