منطقيّة وضعها قبل عرض الأصول وجعلها مدخلا له. بل جعلها مقدّمة للعلوم كلّها فقال :
«وليست هذه المقدّمة من جملة علم الأصول ولا من مقدّماته الخاصّة به ، بل هي مقدّمة العلوم كلّها ومن لا يحيط بها فلا ثقة له بعلومه أصلا ...» (١). ويعتبر المستصفى نموذجا للمزجيّة ، يقول فيه : «إنّ أشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع واصطحب فيه الرأي والشرع» (٢).
وتجدر الإشارة إلى أنّ الغزالي ألّف في الفقه قبل ذلك (المنخول وشفاء الغليل) ، لكنّ المنخول ليس سوى عرض لآراء فقهيّة وأصوليّة ، أخذ معظمها عن إمام الحرمين الجويني فقال : «هذا تمام القول في الكتاب ، وهو تمام المنخول من تعليق الأصول بعد حذف الفصول وتحقيق كلّ مسألة بماهيّة العقول ، مع الإقلاع عن التطويل والتزام ما فيه شفاء الغليل.
والاقتصار على ما ذكره إمام الحرمين رحمه اللّه في تعاليقه من غير تبديل وتزييد في المعنى وتعليل ...» (٣).
إذا اقتصر الفقه على النقل قبل المستصفى ، وقد صرّح بذلك الإمام قائلا : «والمختار إنّه لا يحتجّ به لأنّ العقل لا يحيل ذلك في المعقولات ، والشبهة مختلجة والقلوب مائلة إلى التقليد واتّباع الرجل المرموق فيه ، إذا قال قولا. هذا ممّا اختاره الإمام رحمه اللّه» (٤).
والقول المجمل : إنّ المسألة المنهجيّة اكتملت أكثر فأكثر بعد المرحلة الشكية ويتجلّى ذلك في المستصفى الذي جمع بين الرأي والسمع
__________________
(١) الغزالي ، المستصفى من علم الأصول ، ط أولى ، مصر ، المكتبة التجاريّة ، ج ١ ، ص ٧.
(٢) المصدر نفسه ، ص ٣.
(٣) الغزالي ، المنخول من تعليقات الأصول ، تحقيق محمد هيتو ، دمشق ، ١٩٧٠ ، ص ٥٠٤.
(٤) المرجع نفسه ، ص ٣١٦.