والتناقض ... وفي اصطلاح أصحاب الأصول خطاب اللّه المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتصاد أو التخيير ...» (١) فثمّة علاقة بين الحكم والحكمة في طبيعتها الدينيّة.
ويتبادر من هذه التعريفات اتفاقها على دور الحكم : إنّه إسناد أمر إلى آخر. لكن يختلف الغرض والمضمون أصوليّا أو فقهيّا أو لغويّا. فعملية الحمل هي ربط حدّ بآخر أو مفهوم بمفهوم آخر. والحكم أيضا يسند معنى أو مفهوما إلى آخر ، بغرضيّة القطع والبت والتقويم والحفظ. ويأخذ معنى الحكم خلفيّة دينيّة ، فيدور حول طبيعة الأمر والمأمور ، ومفهوم الواجب والتكليف. وذكر الجرجاني أنّ الحكم هو إسناد المحمول إلى الموضوع (٢) وسنوفي الحكم بمعناه الحديث شرحا لاحقا. إنّما تبقى جذور اللفظة لغويّا والعادة في استعمالها شرعيّا ، هي الأقوى والأعرف. وملخّص الرأي بأنّ لكل مصطلح تفسيرا ودورا إجرائيا وظرف استعمال يختلف عن الآخر. إلا أنّ الواضح هنا تبنّي الغزالي للاصطلاح بقصد مزج المنطق بعلوم المسلمين مزجا كليا ، وتفسير قواعده بعد تمثّلها بالعقليّة الإسلاميّة وانطباعه بنمط تفكيرها.
يتناول الغزالي القضيّة فيقسّمها إلى قضيّة في عين ، وقضيّة مطلقة خاصّة ، وقضيّة مطلقة عامة ، وقضيّة مهملة (٣). ويقابل القضيّة المعيّنة أو القضيّة في عين : القضيّة الشخصيّة في المعيار. ويماثل المطلقة الخاصّة : الجزئيّة. والمطلقة العامّة : الكليّة. ولم تختلف الشروح المنطقيّة في المحكّ عن المعيار. فالذي يحدد الخاصّ أو العامّ في القضيّة هو السور الذي يبيّن مقدار الكمّ ٤. وذكرنا من قبل في مبحث الحدّ بالمحكّ تعريفا
__________________
(١) الكفوي ، الكليّات ، ص ١٥٧.
(٢) الجرجاني ، التعريفات ، ص ٢٤.
(٣) الغزالي ، المحكّ ، ص ٢٤.
(٤) المصدر نفسه ، ص ٢٤.