لشروط القياس واكتمال حدوده ما وفّره من شرح في الربويّ. وكيف يكون الزبيب بمعنى التمر ...
قبل أن تتّضح العلّة وهي الكيل والطعم ، والتي تستشفّ من المعنى وتساعد على الإلحاق يلفت الغزالي النظر بقوله : أما إذا ذكر نصّ من صاحب الشرع يمنع الإلحاق ، كما يرى ، فلا بدّ من وقف القياس ، أي لا يمكن قياس جزء على جزء. فإذا أصاب بول الصبيّ ثوبا ما ، يكفي رشّه بالماء. وبالوقت نفسه لا يمكن إلحاق الصبيّة به ، لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ذكر أن الصبيّة بخلاف الصبي فحسم الأمر (١) ، ومنع قياس الحالة على الحال فسقط الإلحاق. وذكر الغزالي أيضا مثالا فقهيّا لكيفيّة التعرّض للمعنى بعينه من دون الفوارق وحذفها ، فقال :
«قولنا الوضوء طهارة حكميّة فتفتقر إلى النيّة كالتيمّم ، فإنّا لا نحصر لفوارق ولا نتعرض لحذفها ، بل تعرّضنا لمعنى جامع ، والفوارق كثيرة ، وليس الجامع مناسبا ولا مؤثّرا ...» (٢). وملخص القول : إنّ الغزالي سخّر لخدمة المعاني الفقهية القياس المنطقيّ العقليّ بجوانبه المختلفة ، كالسلجستي والتمثيل والتعليل والشرطيّ المنفصل. وجعل منها جميعا ضوابط وأطر للقياس الفقهيّ ، مرتكزها المعايير العقلية من حدّ مشترك وحدّ أكبر وغيرهما. وكان أفضل النماذج تعبيرا عن ذلك ، ردّه بعض الأقيسة إلى التمثيل لافتقاده الحدّ الأوسط فيها. وبهذا يتمحور استدلاله حول الحد الأوسط عماد السلجستي. فإن فقد فالجامع أو شبه الجامع يكون بين قضيّتين فرعيّتين وجزئيّتين.
وأخيرا يمكن القول إن بنية كتاب المحك قد تبدّلت عن الكتب المنطقية التي سبقتها ، فغدت إسلامية الروح عربية الطابع اللغوي ، بعدا وتصورا.
__________________
(١) المصدر نفسه ، ص ٩٠.
(٢) المصدر نفسه ، ص ٩١.