مقدمة تحصر مقصود الكتاب وترتيبه وأقسامه
اعلم أنك إن التمست شرط القياس الصحيح والحد الصحيح والتنبيه على مثارات الغلط فيها وقفت للجمع بين الأمرين ، فإنها رباط العلوم كلها. فإن العلوم إدراك الذوات المفردة كعلمك بمعنى الجسم والحركة والعالم والحادث والقديم وسائر المفردات وإدراك نسبة هذه المفردات بعضها إلى البعض بالنفي والإثبات. فإنك تعلم أولا معنى لفظ العالم وهو أمر مفرد ومعنى لفظ الحادث ومعنى لفظ القديم وهما أيضا أمران مفردان ، ثم تنسب مفردا إلى مفرد بالنفي كما تنسب القدم إلى العالم بالنفي ، فتقول ليس العالم قديما وتنسب الحادث إليه بالإثبات فتقول العالم حادث والضرب الأخير هو الذي يتطرق إليه التكذيب والتصديق ، فأما الأول فلا يدخله تصديق وتكذيب ، إذ يستحيل التصديق والتكذيب في المفردات بل إنما يتطرق ذلك إلى الخبر ولا ينتظم خبر إلا بمفردين موصوف ووصف ، فإذا نسب الوصف إلى الموصوف بنفي أو إثبات فلا بأس أن يصطلح على التعبير عن هذين الضربين بعبارتين مختلفتين. فإن حق الأمور المختلفة أن تختلف ألفاظها إذ الألفاظ مثل المعاني فحقها أن يحاذي بها المعنى فلنسم الأول معرفة ولنسم الثاني علما ، متأسين فيه بقول النحاة : إن المعرفة تتعدّى إلى مفعول واحد إذ تقول عرفت زيدا ، والظن يتعدّى إلى مفعولين إذ تقول ظننت زيدا عالما. والعلم أيضا يتعدى إلى مفعولين فتقول علمت زيدا