الفن الثالث من المقاصد
[في بيان المقدمات الجارية من القياس مجرى الثوب من القميص والخشب من السرير ، فإن ما ذكرناه جرى مجرى الخياطة من القميص وشكل السرير من الخشب ، وكما لا يمكن أن يتّخذ من كل جسم سيف وسرير وقميص ، إذ لا يتأتّى من الخشب قميص ولا من الثوب سيف ولا من السيف سرير فكذلك لا يمكن أن يتّخذ من كل مقدمة وقضية قياس منتج ، بل القياس المنتج لا ينصاغ إلا من مقدمات يقينية إن كان المطلوب يقينيا أو ظنيا إن كان المطلوب فقهيا ، فلنذكر معنى اليقين في نفسه لتفهم ذاته ولنذكر مدركه لتفهم الآلة التي بها نقتنص اليقين. وهذا وإن كان القول يطول فيه ولكنا نحرص على الإيجاز بقدر الإمكان. أما اليقين فلا تعرفه إلا بما أقوله وهو أن النفس إذا أذعنت للتصديق بقضية من القضايا وسكنت فلها ثلاثة أحوال :
أحدها : أن تتيقن وتقطع به وينضاف إليه قطع ثان وهو أن يقطع بأن قطعه به صحيح ويتيقن بأن يقينه لا يمكن أن يكون فيه سهو ولا غلط ولا التباس ، ولا يجوز الغلط لا في تيقنه بالقضية ولا في تيقنه الثاني بصحة يقينه ، ويكون فيه آمنا مطمئنا قاطعا بأنه لا يتصور أن يتغير فيه رأيه ولا أن يطّلع على دليل غاب عنه فيغيّر اعتقاده ، ولو حكى نقيض اعتقاده عن أفضل الناس فلا يتوقف في تجهيله وتكذيبه وخطأه ، بل لو حكى له أن نبيا مع