شخّصها المتقدّمون علينا بزمن ليس بالقليل ، فقد ارتفع إشكال تحديد معنى عرفات من ناحية المصداق ، ولكن مع هذا بَقي إشكال واحد هو : إذا كانت عُرَنَة هي وادي بين عرفات والحرم عرضاً فينبغي أن يكون بانتهاء الوادي العرضي موقف عرفات ، ولكنّنا نرى الآن بين العَلَمينَ الذين وضَعَهُما ملك إربل في عام ( ٦٠٥ ه ) وبين مجرى وادي عُرَنَة مسافة لا يقلّ عرضها عن مائة متر وهي مرتفعة عن وادي عُرَنَة ، فكيف لا تكون داخلة في موقف عرفة ؟!
الجواب : أنّه لابدّ من الرجوع إلى أهل الخبرة ، فقد ذكروا : أنّ مجرى وادي عُرَنَة آنذاك هو بداية وضع الأعلام ، ولكن بما أنّ سهول عَرَفَة كلّها رمال تنتقل فقد تراكمت الرمال في هذا الجانب من الوادي ، وقد ذكر القاطنون في تلك الأماكن بأنّ سيل الوادي قد يشتدّ في بعض الأحيان فيعلو على هذه الأتربة ويُزيلها (١).
وعلى هذا فيبقى أنّ حدّ عَرَفَة هو ما اُثبت بواسطة الأعلام منذ قديم الزمان ، وأنّ الأحكام الشرعيّة لا تتبدّل ولا تتغيّر بتراكم الأتربة في أحد جانبيَ الوادي.
ثوية : بفتح الثاء وتشديد الياء :
لقد ذكر الطريحي في مجمع البحرين قول : « والثويّة : حدٌّ من حدود عَرَفَة ، وفي الحديث : ليست منها ».
وقد ذكر في كتاب المجاز بين اليمامة والحجاز ما نصّه : « عرفات : إذا ترك الطريق ثنية ( الجُليلة ) خلفه ووادي نعمان يساره دلف إلى منطقة عرفات مارّاً بجنوبيّها غربيّها » (٢).
وقال البلادي في ( معجم معالم الحجاز ) معرّفاً الجُليلة ـ وهي بالتصغير وتشديد الياء المثنّاة ـ شِعْب يسيل من جبل ملحة فيصبّ في عرفة من الجنوب
__________________
(١) هكذا جاء في قرار اللجنة الحكوميّة السعوديّة المنشور في مجلة العرب ، عن هداية الناسكين.
(٢) المجاز بين اليمامة والحجاز ، ابن خميس : ص ٢٩٠.