فإن الإسلام كنظام للحياة شرّع للنقد مجالا استثمارياً محدّداً وشرع للعمل مع المال مجالا آخر ، كما شرع للعمل لوحده مجاله الاستثماري ، كما شرّع لأدوات الانتاج مجالها في دخول الاستثمار ، فكيف نطالب الإسلام كمنظم للحياة البشرية بايجاد أدوات ربحية تنتج من مزاولة النقد فقط ، وننسى جوانب الإسلام التي شرعها لتنظيم حياة المجتمع والفرد ؟!
نعود إلى شركة المزارعة ، فقد قال الشيخ الطوسي قدسسره في كتاب الخلاف : « لا يجوز أن يعطي ـ صاحب الأرض ـ الأرض غيره ببعض ما يخرج منها ، بأن يكون منه الأرض والبذر ومن المتقبّل ( العامل ) القيام بها بالزراعة والسقي ومراعاتها » (١).
وقال ابن قدامة يقول : « ظاهر المذهب أن المزارعة إنّما تقع إذا كان البذر من رب الأرض والعمل من العامل ، نصّ عليه أحمد في رواية جماعة ، واختاره عامّة الأصحاب ، وهو مذهب ابن سيرين والشافعي واسحاق » (٢).
ومن هذين النصين لفقيهين من فقهاء الإسلام يفهم أنَّ من غير المشروع إنجاز عقد المزارعة بمجرّد تقديم صاحب الأرض لأرضه وتكليف العامل بالعمل والبذر معاً ، لأنّ مساهمة صاحب الأرض بالبذر اُخذت شرطاً أساسياً لتحقّق المزارعة في النص السابق.
ولم تعدم النصوص من من تأييد هذين النصين ، فقد ورد في صحيحة الحسن
__________________
(١) الخلاف : ج ١ ، ص ٧٠٥ ، وهناك قول آخر في المزارعة ، يجوّزها أيضاً في صورة كون الأرض فقط من أحدهما والعمل والبذر والعوامل من الآخر كما هو مروي عن النبي صلىاللهعليهوآله حينماعامل أهل خيبر ( الزرع والنخل ) فلم ينقل في النصوص أن النبي صلىاللهعليهوآله قدم لهم بذراً ، وكذا تظهر هذه الصورة من النصوص التي سنذكرها فيما بعد ، راجع الوسائل : ج ١٣ ، ب ٨ من المزارعة والمساقاة ، الأحاديث ، وأكثرها صحيحة السند.
(٢) المغني : ج ٥ ، ص ٣٤٨.