على أن يشتغل ثمان ساعات في اليوم ، فكم ينتج هذا العامل في عمله ؟ وكم يحتاج من الوقت للذهاب إلى المرافق وشرب السجائر والصلاة وحضور الجمعة أو الجماعة ؟ كل هذا جهالة ، إلاّ أنّها لا تفسد العقد لأنها لا تؤدّي الى نزاع ، وقد رأينا أن في الروايات كثيراً من الأحكام التي تنهى عن الجهالة إذا أدّت الى نزاع بين المتعاملين ، وتجيز الجهالة إذا كانت لا تؤدّي الى نزاع بين المتعاملين ، ففي بيع الحليب في الاسكرجة مع ما في الضرع توجد جهالة إلاّ أن الشرع قد أجاز هذا البيع ، وكذا في بيع العبد الآبق مع الضميمة ، إذ توجد جهالة الحصول على العبد الآبق ، ولكن بما أنَّ هذه الجهالة لم تؤدِّ الى نزاع بين المتعاملين حيث يكون الثمن كلّه في مقابل الضميمة ـ كما قالت النصوص ـ كان العقد صحيحاً ، وكذا في صحة بيع الثمار لسنتين إذا ظهرت الثمرة ، وغيرها من الأمثلة الكثيرة التي جوَّز الفقهاء فيها العقد مع وجود جهالة غير مفضية الى نزاع. كما قد يدعى أنَّ هذه الجهالة معلومة للطرفين على وجه الترتيب.
وقد فسّر الغرر ـ الذي جاء عن النبي النهي عنه ـ بالخطر الذي يقدم عليه الإنسان لا مطلق الجهالة.
وقد يرى بعضٌ أنَّ الغرر المنهي عنه في الشريعة الإسلامية هو لأجل حفظ العدل بين طرفي العقد ، لأنَّ الخطر الذي يقدم عليه الإنسان في العقد إذا كان بحدّ يؤدّي إلى الحاق ظلم بأحد الطرفين لم يرضَ به لو علم الحقيقة قبل العقد ، أمّا الجهالة هنا فحتى لو قلنا أنّها خطر فهي لا تؤدّي الى ظلم بأحد الطرفين ، بل على العكس هي تؤدّي الى تحقيق العدل بينهما في ظلّ ارتفاع الأسعار وذلك : لأنّ زيادة نسبة الاسعار معناه تخفيض القوة الشرائية للاجور ، وهذا الأمر يجعل المؤجر ( صاحب العمل ) قد حصل على أرباح من زيادة الأجور يوازي التضخم ، فإنْ اقتطعنا منه جزءاً من هذه الارباح نتيجة زيادة الاسعار وقدمناه للعامل كان هذا اقرب إلى العدل ، ومن الواضح ان هذا العقد لا يؤدّي في بعض الضروف الى نقيصة