إن لم يسع إلى التخلّص منه فإنّ البشرية جمعاء تبتلى بالمفاسد الكبرى التي تهلك الجماعات والأفراد ، لذا فإن التزاحم الذي ذكر سابقاً يجري هنا بين وجوب السعي للشفاء من المرض وبين حرمة استعمال المحرّم وحينئذ إذا كان وجوب السعي للشفاء من المرض أهم من استعمال المحرم فيجوز حينئذ استعمال المحرّم لأجل الشفاء من المرض إذا كان الشفاء منحصراً في استعمال المحرّم.
ومن الأمثلة على ذلك : أنّ مريضاً يرقد في المستشفى يحتاج إلى دواء ولا طريق إلى ذلك إلاّ استعماله للنجس أكلا أو شرباً قبل أن يطغى مرضه ويستفحل ، فإذا كان القضاء على المرض في استعمال الدواء أهم من حرمة استعمال النجس جاز استعمال النجس كما تقدّم ، هذا كله بحسب القاعدة الأوليّة.
أمّا بالنسبة للروايات فقد وردت الروايات الظاهرة بل الصريحة في حرمة استعمال النجس أكلا أو شرباً حتى في صورة انحصار الدواء به كالضرورة ، واليك بعضها :
١ ـ صحيحة عمر بن اذينة ، قال : « كتبت إلى الإمام الصادق عليهالسلام أسأله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير ، فيشربه بقدر اسكرجة من نبيذ ، ليس يريد به اللذة ، إنّما يريد به الدواء ؟ فقال عليهالسلام : لا ولا جرعة ، ثم قال : إنّ الله عزّوجلّ لم يجعل في شيء ممّا حرم دواءً ولا شفاءً » (١).
٢ ـ صحيحة الحلبي قال : « سألت الإمام الصادق عليهالسلام عن دواء عجن بالخمر ؟ فقال : لا والله ما اُحبّ أن أنظر إليه ، فكيف أتداوى به ؟ إنّه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير وترون اُناساً يتداوون به » (٢).
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١٧ ، ب ٢٠ من الأشربة المحرّمة ، ح ١.
(٢) المصدر السابق : ح ٤.