لا يلازمه عنوان آخر مهم يعدّ معه التنقيص غير محرم ، كفرضنا الذي نحن فيه ، وهذا يتّضح من ملاحظة التزاحم الذي يذكر فيما إذا كان انجاء الغريق متوقفاً على أضرار الغير بإتلاف زرعه ، ففي هذه الحالة لا يكون الاتلاف محرماً حيث يُقدّم انقاذ الغريق على حرمة اتلاف زرع الغير ، فما نحن فيه كذلك وان لم يكن انقاذ حياة الفرد الآخر واجباً على المعطي ؛ لأنّنا نتكلم في التزاحم الأعم من الحكمي ، وهو التزاحم الملاكي (١) وان لم يكن أحد فرديه واجباً من قبل الشارع لمصلحة التسهيل على العباد إلاّ أنّه ذو مصلحة مهمّة جدّاً تجعل اضرار الفرد الآخر بنفسه وتنقيص عضو من أجل إنقاذ حياة الآخر ليست محرمة.
هذا كله بالنسبة إلى العضو إذا قلع من جسم الإنسان ، كالعين والكلية
__________________
(١) التزاحم الملاكي : والمراد منه اعطاء الكِلية لفرد آخر إذا لم تكن واجبة ( رغم أهميّة ملاكها ) لوجود مانع من الوجوب كمصلحة التسهيل مثلاً فمع ذلك هو يزاحم حرمة اضرار الإنسان بنفسه.
وهذا التزاحم يختلف عن التزاحم في الحكم الذي اُشير إليه في الأصول من مصطلحات الآخوند ( صاحب الكفاية ) القائل بالتزاحم الملاكي ، ومصطلحات الميرزا النائيني القائل بالتزاحم الخطابي في كيفية تصوّر التزاحم ، فيقصد الآخوند أن المولى ناظرُ إلى أقوى الملاكين ، ويحكم وفقاً له. ويقصد الميرزا أن المولى خاطبنا خطابين قد تزاحما ، فإنّ في هذا التزاحم الاُصولي يقصد وجود ملاكين كلٌّ منهما بحد ذاته يؤدّي إلى الحكم ، فالآخوند يصوّر التزاحم في نفس الملاكين فبالتالي لا يوجد سوى حكم واحد ، والميرزا يصوره في الخطابين أي أن الملاكين أثّرا ووصلا إلى حكمين وتزاحما.
أمّا في التزاحم الذي نقصده في هذا البحث : فهو انّنا حتى إذا فرضنا أن الملاك لا يصل إلى الحكم فمع هذا لا يفهم العرف الاطلاق من الحكم الآخر ، ففي موردنا إذا قلنا بحرمة أن يضر الإنسان بنفسه ويقلع عضواً من اعضائه ففي صورة كون هذا العمل منقذاً لإنسان آخر وان لم يكن انقاذه واجباً يحصل تزاحم ملاكي بين الفعلين ، فلا تكون حرمة الضرر مطلقةً لصورة انقاذ إنسان آخر.