فلابدّ أن نقيّد هذه الموثّقة بما تقدّم فتختص بصورة الاستهلاك ، كما لو كان الدخان الذي يمرّ أمام وجه الإنسان ويستنشق منه اليسير ، فيُستهلك مع ما في الفم من بصاق.
والظاهر أنّ البخار الذي يكون في الحمامات وإن كان كثيراً إلاّ أنّه لا يدخل إلى الجوف وهو كثير ، بل يُستهلك على بصاق الفم ويدخل الى الجوف ، ولذا لم يقل أحد بمفطريته ولم يتحرز منه أحد ، وهذا يختلف عن استنشاق دخان السجائر والبخّاخ الذي يكون الداخل منه الى الجوف كثيراً ويحمل أجزاءً خارجيةً يصدق معها أنّ الصائم لم يجتنب الطعام أو الشراب.
أمّا النحو الثالث ـ وهو ما إذا كان الداخل الى الجوف ليس فيه جرم عرفاً كالهواء الذي يحمل ذرات عادية من الغبار ـ فلا اشكال في عدم كونه مضرّاً بصحة الصوم ، وكذا الاُوكسجين الذي يعطى البعض المرضى.
إنّ الجواب عن هذه الحالة يختلف باختلاف مباني العلماء :
فمن قال بأنَّ المفطِّر هو عنوان الأكل والشرب وأنّه لا يتحقّق إلاّ بأن يمرّ المأكول والمشروب عن طريق الحلق فيرى أنَّ معالجة الطعَنات الجوائف ممّا يصل الى مستقر الغذاء لا يضرّ بالصوم ؛ لعدم تحقّق الأكل والشرب.
أمّا من يرتأي بأنَّ الأكل والشرب قد اُخذ على نحو الطريقية لما يصل الى الجوف ( وهو مستقر الغذاء على الأقل ) وأنّ رواية « لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع » ترى مانعية كلّ ما يصل الى الجوف ممّا يؤكل أو يشرب وإن كان دواءً أو غير مألوف يرى أنّ ما يصل الى الجوف يكون مضراً بالصوم ؛ لأنّه لا يصدق على فاعله الاختياري بأنّه قد اجتنب الطعام أو الشراب ما دام قد وصل الى جوفه بالاختيار.