نقول : إنّ الأقوال المتقدمة في تقدير المسافة الى موضع الإحرام في التنعيم وإن كانت مختلفة اختلافاً غير يسير إلاّ أنّ هذا الاختلاف بين المؤرخين والجغرافيين لا يجيز لنا رفع اليد عن موضع الإحرام في التنعيم الحالي ؛ وذلك لعدم حجيّة هذه الأقوال في أنفسها ، إذ هي : إمّا أخبار آحاد غير معتبرة ، وإمّا متعارضة ، وحتى إذا كانت أقوال ذوي الخبرة فهي ساقطة بالتعارض ، فتبقى السيرة المتلقّاة من المسلمين في الإحرام من مسجد التنعيم الحالي الذي يبعد ٦ كيلومترات عن المسجد أو حدود مكة القديمة ، وهذا خير دليل على بطلان التشكيك المتقدم ، فإنّ هذه السيرة المتلقاة يداً عن يد ممن يلتزم الشريعة الغرّاء نهجاً في حياته ، وفي زمن المعصومين عليهمالسلام تفيد العلم في معرفة ميقات التنعيم الذي وقّته رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو كان هناك أيّ تغيير في الميقات في أي زمان لنقل الينا بصورة واضحة ، إذ أنّ التغيير في العبادات وأماكنها التي حدَّدها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مما يوجب اعتراض المسلمين قاطبةً ونقل ذلك التغيير والاعتراض لغيرهم ، مع أنّنا لم نجد في الروايات التي بين أيدينا أيّ تغيير في ميقات التنعيم.
نعم ، نقل عن بعض المؤرخين المعاصرين « تغير موضع العمرة عندما اختل الأمنُ خوفاً على الحجّاج والمعتمرين » بقوله : ويقال.
وهذا الكلام لا يعتدّ به ؛ لأنه لم يعتقد به حتى هذا المؤرخ المعاصر كما تقدم ، فهو عبارة عن كلام غير معتبر تردّه السيرةُ القائمة على تعيين موضع الإحرام للعمرة من مسجد التنعيم الحالي من قبل كلّ المسلمين.
هذا وقد ذكر غيرُ واحد من الأصحاب (١) هنا الاكتفاء في معرفة هذه المواقيت بالشياع المفيد للظن الغالب ، ولعلّه لصحيح معاوية بن عمار عن الإمام الصادق عليهالسلام :
__________________
(١) راجع جواهر الكلام ، ١٨ : ١٠٧.