فلا يبعه حتى يستوفيه ، إلاّ ما كان من شرك أو إقالة أو تولية ».
قال مالك : اجتمع أهل العلم على أنّه لا بأس بالشرك والإقالة والتولية في الطعام قبل أن يُستوفى إذا انتقد الثمن ممّن يشركه أو يقيله أو يولّيه » (١).
٤ ـ إن أصل المنع من بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه ( إلاّ تولية أو شركة ) هو على خلاف القاعدة الأوليّة القائلة بتسلّط الناس على أموالهم ، بمعنى أنّه إذا ملك إنسان شيئاً يتمكّن أن يبيعه ـ سواء كان قد قبضه أم لا ـ فإذا أضفنا إلى هذا عدم وجود علّة للنهي عن بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه ، وإنّما هو تعبّد خاصّ ، فلابدّ من الرجوع إلى الأدلّة المانعة نفسها لنرى سعتها أو ضيقها فنتمسّك بها ، لأنّها هي الدليل على النهي وعلى خلاف القاعدة ، ولا علّة حتى تتبع.
وحينئذ فما لم يكن داخلا تحت النهي فهو جائز سواء دلّ عليه دليل خاص أو لا ، إذ يكون داخلا تحت قاعدة تسلّط الناس على أموالهم ، فيتمكّن من التصرّف فيه ببيعه ما لم يكن داخلا تحت عنوان منهيّ عنه. وعلى هذا نتمكّن أن نذكر عدّة اُمور جائزةً قد يشتبه في دخولها تحت عنوان البيع قبل القبض ، منها :
أ ـ إذا كان البيع غير مكيل أو غير موزون ( كالمعدود (٢) والمذروع والمشاهد ) فيجوز بيعه قبل قبضه ( سلماً أو استصناعاً أو غيرهما ) طبقاً للقاعدة المتقدّمة ، مع ورود الرخصة في ذلك أيضاً. ففي ذيل صحيحتي منصور بن حازم المتقدّمتين : « فإن لم يكن فيه كيل ولا وزن فبعه ». وكذا في رواية أبي حمزة عن
__________________
(١) المدوّنة : ج ٤ ، ص ٨٠ ـ ٨١.
(٢) ذكر ابن قدامة في المغني فقال : « كل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض لم يجز التصرف فيه قبل قبضه ... إذا كانا من المكيل أو الموزون أو المعدود » : ج ٤ ، ص ٢٢١.
أقول : بالاضافة إلى عدم الارتباط بين ضمان المبيع إذا تلف قبل القبض وبين عدم جواز بيع المبيع قبل قبضه فإنَّ لكلّ مسألة من المسألتين دليلها الخاص وموضوعها الخاص ، فإنَّ عدم جواز بيع المعدود قبل قبضه لم يرد فيه أيّ نص.