فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢))
فأجاب الله تعالى هاتين الطلبتين بقوله : (قالَ كَلَّا) ردعا عن الخوف.
والمعنى : فارتدع يا موسى عمّا تظنّ ، لأنّهم لن يقتلوك به ، فإنّي لا أسلّطهم عليك.
(فَاذْهَبا بِآياتِنا) الخطاب على تغليب الحاضر. وهو معطوف على الفعل الّذي يدلّ عليه «كلّا». كأنّه قيل : ارتدع يا موسى عمّا تظنّ. فاذهب أنت والّذي طلبته ، وهو هارون. يعني : ضممناه إليك في الإرسال. (إِنَّا مَعَكُمْ) يعني : موسى وهارون وفرعون (مُسْتَمِعُونَ) سامعون لما يجري بينكما وبينه ، فأظهر كما عليه. وهو خبر ثان. أو الخبر وحده ، و «معكم» ظرف لغو.
قيل : مثّل الله سبحانه نفسه بمن حضر مجادلة قوم استماعا لما يجري بينهم ، وترقّبا لإمداد أوليائه منهم ، مبالغة في الوعد بإعانته. ولذلك تجوّز بالاستماع الّذي هو بمعنى الإصغاء للسمع الّذي هو مطلق إدراك الحروف والأصوات ، فإنّ الله سبحانه يوصف على الحقيقة بأنّه سمع وسامع لا مستمع ، لانتفاء آلة السمع اللازم للإصغاء.
(فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) أرسلنا الله إليك لندعوك إلى عبادته ، وترك الإشراك به. وأفرد الرسول ، لأنّه مصدر وصف به ، فإنّه مشترك بين المرسل والرسالة. ولذلك ثنّى تارة ، كما في قوله : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) (١) ، وأفرد أخرى ، كما هاهنا. أو لاتّحادهما ، للأخوّة. أو لوحدة المرسل والمرسل به. أو لأنّه
__________________
(١) طه : ٤٧.