ظاهرا ، وهي في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل ، وقصدك بذبح أبنائهم ، فإنّه السبب في وقوعي إليك ، وحصولي في تربيتك. ولو كنت لم تستعبد بني إسرائيل ، ولم تقتل أبناءهم ، لكانت امّي مستغنية عن قذفي في اليمّ. فكأنّك تمنّ عليّ بما كان بلاؤك سببا له. فعلى التحقيق امتنانك عليّ تعبيدك قومي ، أي : اتّخاذك إيّاهم عبيدا ، وتذليلك إيّاهم ، فلا يكون حقيقة إنعامك وامتنانك عليّ.
ومحلّ «أن عبّدت» الرفع على أنّه خبر محذوف ، أو بدل من «نعمة». أو الجرّ بإضمار الباء. أو النصب بحذفها.
وقيل : «تلك» إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة ، و «أن عبّدت» عطف بيانها.
والمعنى : تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنّها عليّ.
وإنّما وحّد الخطاب في «تمنّها» وجمع فيما قبله ، لأنّ المنّة كانت منه وحده ، والخوف والفرار منه ومن ملئه ، كما فسّرنا به.
(قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨))
ولمّا سمع فرعون جواب ما طعن به فيه شرع في الاعتراض على دعواه ، فبدأ بالاستفسار عن حقيقة المرسل ، كما حكاه الله تعالى عن ذلك بقوله : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) أيّ شيء هو من الأشياء التي شوهدت وعرفت