إلى علم الله تعالى ، كما قال الله سبحانه : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (١) فما ظنّك بالضّلال من أممهم؟! (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) لا يسأل بعضهم بعضا عن الجواب ، لفرط الدهشة. أو لعلمه بأنّه مثله في عدم علمه بالجواب.
ثمّ ذكر سبحانه أحوال التائبين منهم بقوله : (فَأَمَّا مَنْ تابَ) من الشرك (وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) أي : جمع بين الإيمان والعمل الصالح (فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) عند الله. و «عسى» تحقيق على عادة الكرام ، أو ترجّ من التائب ، بمعنى : فليتوقّع أن يفلح.
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠))
ولمّا كان المفلح مختار الله تعالى ذكر عقيبه : أنّ الاختيار إلى الله سبحانه ، والخلق والحكم له ، لكونه قادرا عالما على الكمال ، فقال : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) لا موجب عليه ، ولا مانع له (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي : التخيّر ، كالطيرة بمعنى التطيّر ، أي : ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. فهذا بيان لقوله : «ويختار» ، ولهذا خلا عن العاطف. والمعنى : أنّ الخيرة لله في أفعاله ، وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها ، فكيف يجوز لأحد أن يختار عليه.
وقيل : السبب فيه قول الوليد بن المغيرة : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ
__________________
(١) المائدة : ١٠٩.