أحسن بالشكر والطاعة ، كما أحسن إليك بالإنعام.
(وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) نهي له عمّا كان عليه من الظلم والبغي (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) لسوء أفعالهم. قيل : إنّ القائل بذلك موسى عليهالسلام.
(قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ) أعطيت هذا المال الكثير (عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) على استحقاق واستيجاب ، لما فيّ من العلم الّذي فضّلت به على الناس ، واستوجبت به التفوّق عليهم بالجاه والمال.
و «على علم» في موضع الحال. و «عندي» صفة له ، أو متعلّق بـ «أوتيته» ، كقولك : الأمر عندي كذا ، أي : في ظنّي واعتقادي. وهو علم التوراة ، فإنّه كان أعلم بني إسرائيل بالتوراة بعد موسى وهارون ويوشع وكالب عليهمالسلام. وقيل : العلم بكنوز يوسف عليهالسلام.
وعن سعيد بن المسيّب : كان موسى عليهالسلام يعلم علم الكيمياء ، فأفاد يوشع بن نون ثلثه ، وكالب بن يوفنّا ثلثه ، وقارون ثلثه ، فخدعهما قارون حتّى أضاف علمهما إلى علمه ، فكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبا.
وقيل : علّم الله موسى الكيمياء ، فعلّمه موسى أخته ، فعلّمته أخته قارون.
وقيل : هو بصّره بأنواع التجارة والدهقنة ، وسائر المكاسب.
ثمّ قال سبحانه على وجه التوبيخ : (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) أي : قد قرأ قارون في التوراة ، وسمع من موسى وحفّاظ التواريخ ، أن الله تعالى قد أهلك القرون الخالية الّذين هم أقوى منه ، وأغنى وأكثر جماعة وعددا ، أو أكثر جمعا للمال ، كقوم عاد وثمود وقوم لوط.
وقيل : هذا ردّ لعلمه بذلك ، لأنّه لمّا قال : (أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) فترفّع بالعلم وتعظّم به ، قيل : أعنده مثل ذلك العلم الّذي ادّعاه ، ورأى نفسه به مستوجبة لكلّ نعمة ، ولم يعلم هذا العلم النافع ، حتّى يقي به نفسه مصارع الهالكين؟