(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤))
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) إشارة تعظيم وتفخيم لشأنها ، كأنّه قال : تلك الّتي سمعت خبرها وبلغك وصفها. والدار صفة ، والخبر (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) غلبة وقهرا (وَلا فَساداً) ظلما على الناس ، كما أراد فرعون وقارون (وَالْعاقِبَةُ) المحمودة (لِلْمُتَّقِينَ) للّذين يجتنبون عمّا لا يرضاه الله. علّق الوعد بترك إرادة العلوّ والفساد ، ولم يقل : لا تعلو ولا تفسدوا ، كما علّق الوعيد بالركون في قوله : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (١).
وروي عن عليّ عليهالسلام : «أنّ الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه ، فيدخل تحتها».
وعن الفضيل أنّه قرأها ثمّ قال : ذهبت الأماني هاهنا.
ثمّ أكّد ذلك بقوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) ذاتا وقدرا ووصفا (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) وضع فيه الظاهر موضع الضمير ، تهجينا لحالهم ، وزيادة تبغيض للسيّئة إلى قلوب السامعين (إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : إلّا مثل ما كانوا يعملون. فحذف المثل ، وأقيم (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) مقامه ، مبالغة في المماثلة.
وهذا من فضله العظيم ، وكرمه الواسع ، أن لا يجزي السيّئة إلّا بمثلها ،
__________________
(١) هود : ١١٣.