روي : أنّ السفهاء من قريش كانوا يقولون : إنّ ربّ محمّد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت ، ويضحكون من ذلك ، فردّ الله تعالى ذلك عليهم بقوله :
(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) يعني : هذا المثل ونظائره (نَضْرِبُها) نذكرها ونبيّنها (لِلنَّاسِ) تقريبا لما بعد من أفهامهم ، من حسن المعرفة والتوحيد ، وقبح ما هم فيه من عبادة الأصنام (وَما يَعْقِلُها) وما يعقل حسنها وصحّتها وفائدتها (إِلَّا الْعالِمُونَ) الّذين يتدبّرون الأشياء على ما ينبغي. فهم بالتدبّر الكامل يفهمون أنّ الأمثال والتشبيهات هي الطرق إلى المعاني المحتجبة في الأستار ، حتّى تبرزها وتكشف عنها وتصوّرها للأفهام ، كما صوّر هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحّد.
وروى الواحدي بالإسناد عن جابر قال : «إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا تلا هذه الآية قال : «العالم من عقل عن الله تعالى ، فعمل بطاعته ، واجتنب سخطه» (١).
(خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥)) ثمّ بيّن سبحانه ما يدلّ على إلهيّته واستحقاقه العبادة ، فقال : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أخرجهما من العدم إلى الوجود (بِالْحَقِ) ملتبسا بالغرض الصحيح الّذي هو حقّ لا باطل ، فإنّ المقصود بالذات من خلقهما أن تكونا مساكن عباده ، ومواضع إفاضة الخير ، ودلائل على ذاته وصفاته ، كما
__________________
(١) تفسير الوسيط ٣ : ٤٢٠.