وجه الإحكام.
(وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) لغاتكم ، بأن علّم كلّ صنف لغته ، أو ألهمه وضعها ، وأقدره عليها. أو أجناس نطقكم وأشكاله ، فإنّك لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفيّة.
(وَأَلْوانِكُمْ) أي : اختلافها ، من بياض الجلد وسواده ، وحمرته وصفرته وسمرته. أو تخطيطات الأعضاء وهيئاتها ، ليقع التمايز والتعارف ، حتّى إنّ التوأمين مع توافق موادّهما وأسبابهما ، والأمور الملاقية لهما في التخليق ، يختلفان في شيء من ذلك لا محالة. وما ذلك إلّا للتراكيب البديعة ، واللطائف العجيبة ، الدالّة على كمال قدرته وحكمته. ولو اتّفقت الألوان ، وتشاكلت التخطيطات ، بحيث كانت ضربا واحدا ، لوقع التجاهل والالتباس ، ولتعطّلت مصالح كثيرة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) لأدلّة واضحة (لِلْعالِمِينَ) لا تكاد تخفى على عاقل ، من ملك أو إنس أو جنّ. وقرأ حفص : للعالمين بكسر اللام. ويؤيّده قوله : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (١).
(وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) هذا من باب اللفّ والنشر. وترتيبه : ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار. إلّا أنّه ضمّ بين الزمانين والفعلين بعاطفين ، إشعارا بأنّ كلّا من الزمانين ـ مع أنّه مختصّ بأحدهما عرفا ـ صالح للآخر عند مسّ الحاجة إليه.
ويجوز أن يكون المعنى : ومن آياته منامكم في الزمانين ، لاستراحة القوى النفسانيّة ، وقوّة القوى الطبيعيّة ، وطلب معاشكم فيهما.
ويؤيّد الأوّل سائر الآيات الواردة فيه. وأسدّ المعاني ما دلّ عليه القرآن.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) سماع تفهّم فانّ الانتفاع منها إنّما يظهر
__________________
(١) العنكبوت : ٤٣.