إلى قدركم ، والقياس على أصولكم ، واقتضاء عقولكم ، لأنّ من أعاد منكم صنعة شيء كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها ، وإلّا فهما سواء عليه سبحانه. ولذلك قيل : الهاء للخلق بمعنى المخلوق ، أي : والإعادة على المخلوق أهون من النشأة الأولى ، لأنّه إنّما يقال له في الإعادة : كن فيكون ، وفي النشأة الأولى كان نطفة ، ثمّ علقة ، ثمّ مضغة ، ثمّ عظاما ، ثمّ كسيت العظام لحما ، ثمّ نفخ فيه الروح. فتكوينه في حدّ الاستحكام والتمام ، أهون عليه وأقلّ تعبا من أن يتنقّل في أحوال ، ويندرج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحدّ.
وقيل : «أهون» بمعنى هيّن ، كقول الشاعر : لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل (١) ، أي : لوجل.
(وَلَهُ الْمَثَلُ) الوصف العجيب الشأن ، كالقدرة العامّة ، والحكمة التامّة. ومن فسّره بقول لا إله إلّا الله أراد به الوصف بالوحدانيّة. (الْأَعْلى) الّذي ليس لغيره ما يساويه أو يدانيه (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يصفه به ما فيهما دلالة ونطقا (وَهُوَ الْعَزِيزُ) القادر الّذي لا يعجز عن إبداء ممكن وإعادته (الْحَكِيمُ) الّذي يجري الأفعال على مقتضى حكمته.
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩))
__________________
(١) وعجزه : على أيّنا تغدو المنيّة أوّل.