(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢))
ثمّ خاطب نبيّه فقال : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) فقوّمه وعدّله ، غير ملتفت عنه يمينا ولا شمالا. وهذا تمثيل للإقبال والاستقامة على الدين ، والاهتمام به ، فإنّ من اهتمّ بالشيء عقد عليه طرفه ، وسدّد إليه نظره ، وقوّم له وجهه ، مقبلا به عليه بكلّه.
(حَنِيفاً) حال من المأمور ، أي : مائلا إليه ، ثابتا عليه ، مستقيما فيه ، لا ترجع عنه إلى غيره. ويجوز أن يكون حالا من الدين.
(فِطْرَتَ اللهِ) خلقته. نصب على الإغراء ، أي : الزموا فطرة الله ، أو عليكم فطرة الله. أو على المصدر لما دلّ عليه قوله : (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) خلقهم عليها. وهي قبولهم للحقّ ، وتمكّنهم من إدراكه. أو ملّة الإسلام ، فإنّهم لو خلّوا وما خلقوا عليه أدّى بهم إليها ، لكونه مساوقا للنظر الصحيح ، مجاوبا للعقل ، ومن غوى فبإغواء شياطين الإنس والجنّ. ومنه الحديث القدسي : «كلّ عبادي خلقت حنفاء ، فاجتالتهم (١) الشياطين عن دينهم ، وأمروهم أن يشركوا بي غيري».
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «كلّ مولود يولد على الفطرة ، حتّى يكون أبواه هما اللّذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه».
وقيل : «فطرة الله» : العهد المأخوذ من آدم وذرّيّته.
__________________
(١) اجتال القوم : حوّلهم عن قصدهم.